الثلاثاء، 1 يوليو 2014

الفصل العشرون : ( انتماء : حيث لا مكان للغرباء !)





الفصل العشرون : ( انتماء : حيث لا مكان للغرباء !)











متألقٌ بسوادٍ هو القمر ذي القناع الحديدي

مغلفٌ بالكذب مخفٍ لأسرارٍ جرداء الحياة

تنويره مقتصرٍ في ظلام الضائعين في الصحارى

وتلبيته لمن اراد النجاة فامتنع عن السيادة

وحيدٌ هو بنغمٍ في منتصف ليال الشتاء

منسجمٌ مع امواج البحر في ارتطام الاشلاء

ثابتٌ فلا تغيب مآسي الليالي عن ناظريه

كئيب فلا تسمع له حتى انيناً في المه

منسيّ في سماء كستها النجوم العِداد

شجيٌ بطريقة لا يفقهها إلا من فقد الانتماء

له من بيان الموت غموضٌ في مجرة سوداء

و نظير الحسن إن اردت له ان يرقى الكبار

حتى جواهر الدم إن ارادت له الحياة

فسترقى اليه وتفقد بريقها الاخاذ

فهو بلوعة قد انساها جمال الحياة

فتوقفت الجواهر عن امل السعادة في المساء

مستحيلٌ كلمته التي ارتقت لاعالي السماء

وسويٌ هو شيء لن يعرفه في وضح النهار

امله فقط في ان ينسى الضياء وينام !

جميلٌ هو هذا القمر بوحدته و تبّلده
بديع هو بهذا الكذب الذي اخفى ظلام كينونته !

~



فلاش باك

قبل آلالاف السنوات

ولعٌ هذا هو بالنار التي تحرق الاحياء رماداً وتحيل اوراحهم إلى حيث الضياع والعتمة ، بغربة مريرة وبكاء حارق يعصفُ به الجواء خفاقاً

بتناثر الجثث وعلو الصرخات المدوية والحسرة القائمة على وجوه المنحورين توسطت اذهانهم صورته بعينيه الحمراوتين و شعره الاسود

حينما راح يسلب حياتهم بدمٍ بارد ومشاعر مخمدة ، كلما دخل قرية دمرها حتى ما يبقى منها الرماد ، رغبته في ان يفني كل من يخالفه امرٌ محتوم وتشخيصٌ ازلي

سار بين حفنة الجثث المتراصة على الارض المشبعة بدماء القتل الاسود فإذا بمنزل لا يزال اهله محتمين من شرار غضبه فيه

تضيق عيناه سخرية وهو ينتشل سيفه من الارض سائراً ببرود ناحية المنزل الوحيد ، يدلف اليه بأن حطم الباب كالصاعقة التي تضرب القلوب قبل الاجساد

يرى تكور امرأة وحيدة عند ركن الغرفة وهي تحتضن طفلها خائفة منه والدموع رسمت آثارها على وجنتيها المرهقتين من الصراخ والدعاء

يتقدم منها بخطواتٍ ثابتة حتى ينتصب امامها بلا مشاعر واضحة فينظر إلى يديها المتآكلتين من مرض " سامزرا "

ينتبه على الطفل بين يديها فتزيد رغبة سفك الدماء في عروقه ولكن واذا بالام تضعه على الارض فتجثو على ركبتيها ممكسة بملابسه تترجى اي ذرة رحمة يخبأها هذا المسخ امامها

يتكسر صوتها ويتحشرج وهي تردد مرتجفة مناجية

- وإن كُتبت الرحمة على فصائل الوحوش فأني التمس منك الصفح عن حياة هذا الرضيع !

لم تستطع التماس رحمة في عينيه الميتتين اللامعتين فازدادت انتفاضاً وهي تراه قد اشهر سيفه في الهواء فردد غاضباً مزمجراً

- لا رحمة لمن تآمر على قتل المستضعفين في قرية فقيرة !

وبدون ان تشعر وإذا به فصل رأسها عن جسدها بحركة خاطفة انهت آلامها في لحظة واحدة ، تبقى مهمة واحدة كي ينهي سلاسة " الكيرينز " الفاسدة ، قتل الرضيع الهادئ على الارض

ربما لم يكن ليضطر لتدمير هذه القرية ومحقها من الوجود لولم تلجأ لتدمير قرية اخرى ضعيفة من اجل مواردها الطبيعية !

ولكنه قرر القضاء على نسلهم الملعون الذي اشتهر بقتل الاضعف دوماً ، وخطوته التالية سوف تقوده نحو هذا الهدف بسهولة

وقف امام الطفل الذي لمعت عيناه بطريقة ساحرة وهو ينظر بلهفة إلى ما يحمله ساتان بين يديه غير عارفٍ بأن هذا سيسلب روحه البريئة ببريقه الأخاذ

امسك الاخير بمقبض السيف بيديه الاثنتين ورفعه قليلاً عن الطفل مستعداً لقتله ولكنه ما ان هوى به قليلاً حتى توقف وقد اتسعت عيناه بقليل من الدهشة

فإذا بالطفل قد وضع يديه على السيف يتلمسه ضاحكاً وكأنما هذه مجرد لعبةٍ ما لن تؤذيه ما دام بريقها يخبره بضرورة الاطئمنان

لمعة غريبة – سحرت ساتان – قد اعادت لون عينيه البحريتين إلى طبيعتهما ، فتحول الظلام إلى الذهب مجدداً في شعره وهدأت ملامحه وهو لا يزال يرمق الطفل بهدوء

حالما شاهد الحماسة في وجه الطفل تزداد وقد جرح اصبعه الصغير وراح يضحك على الدماء ابتسم لا ارادياً وقد ابعد السيف ودنى من الطفل فحمله بين ذراعيه

والنيران قد اكلت كل شيء من حوله ولا تزال تكمل مسيرها ناحية الغابة المجاورة التي لم يأبه ساتان لوجودها مطلقاً ، محاطٌ بحرارتها و رائحة الجثث العفنة ولكن اكثر ما شد انتباهه هو ابتسامة هذا الطفل !

امسك بإصبع الطفل الصغير برقة وقد لمعت شرارة زرقاء في اصابعه معالجاً جرح السيف الاسود الخاص به والطفل لا يزال محدقاً بابتسامة سعيدة متحمسة إلى عينيّ ساتان الهادئتين

سمع صوت لظى لهيب النيران من حوله و صوت احتراق الخشب و تآكله وسقطوه على الارض متكدساً ولكنه لم يأبه لأيٍ من هذا

لمعت عينا ساتان بانعكاس النيران عليهما وهو يشدّ على يد الطفل بابتسامة حنونة فيردد بعدها بهدوءٍ غريب

- طفلٌ شجاع ! مميز بهذه الحماسة في مقلتيك !

قهقه الطفل بطريقة مضحكة على اثر كلمات ساتان الرنانة ، فقد بدى وللحظة واحدة وكأنه يفهم لما يقوله له الملك امامه

اتسعت ابتسامة ساتان الحنونة وسط تأجج النيران فردد بعدها بشكلٍ خبيثٍ مريبٍ حمل بين طياته شعوراً غريباً بالسلام الذي لم يألفه من قبل

- سأدعوك ثيلوميوس ويعني الشخص الذي لا يهاب شيئاً ، ستكون ابني من اليوم ايها الشجاع وسأربيك كما لو انجبتك من صلبي ! هل فهمتني ثيلوميوس ؟!

هدأ الطفل بعدها بصمتٍ له معنى غريب وقد ضم يديه على صدره وعيناه تلمعان بحيرة لا اساس لها ، عيناه الارجوانيتان المائلتان للفضة قد اسرتا قلب ساتان وشعره الابيض قد ذكره بالثلج في ليلة شتاء اكتوبر

وبهذا قد اعلن ساتان عزمه على جعل هذا الطفل ابنه وهو لا يدرك ان القدر قاسٍ في كثير من الاوقات الغير متوقعة !

كان قد مرّ على تلك الحادثة سنوات حينما كبر ثيلوميوس واصبح في هيئة من عمره ثمانية اعوام ، احبه الجميع بشقاوته و ذكائه و خفة ظله المضحكة




ثيلوميوس






احبه ساتان كأحد ابنائه وربما اكثر ، من يره يظنّ بأنه ابنه من لحمه ودمه لمحبته اياه ولمحبة ابنائه السبعة إياه ، تعلق قلبٌ آخر بهذا الطفل الودود

قلبٌ كان قد فقد من قبل أغلى كنز فأتى التعويض يمكن في طيات الجثث ، آيـآكا التي وجدت في ثيلوميوس عوضاً عن باندورا لملئ الفراغ الذي تشعر به داخلها

يمكننا وصف القصر في تلك الفترة بالنابض بحياة لا تعوض وربما نصفه اكثر بالنعيم الذي لا تختفي منه الضحكات ولا السعادة

وفي احد الايام ريثما كان كازو الذي لا يتعدى مظهره من هو في الخامسة عشر من عمره يسير بين اروقة القصر حتى اشتبه عليه شعور حضوء ثيلوميوس حوله

ضاقت عيناه بقليل من الترصد والحذر ولكنه قرر ان يكمل طريقه إلى حيث تقوده اقدامه بلا هداية تامة

ولكن ما اوقفه في لحظة ما هي كتلة الثلج الضخمة التي سقطت فوق رأسه وغطته تماماً ، استطاع ان يحفر ويخرج منها بصعوبة وهو يحاول التقاط انفاسه

سمع صوت ضحكاتٍ ثعلبية ماكرة من خلفه فابتسم بهدوء وهو يلتفت لثيلوميوس بعينين ناريتين من الغضب ، فبنبرة اشبه للفحيح ردد تجاه الاول

- ثيلو الثعلب ! هل تظن بأنك ستنجو من محاولة انجاح المقلب على شقيقك الاكبر ؟!

ابتسم ثيلوميوس بطريقة ماكرة وعيناه تشعان خبثاً وشقاوة ، استدار برقصة كاملة وهو يقول ضاحكاً

- ولكن الثلج كان جميلاً اليس كذلك ؟!

اغمض كازو عينيه لوهلة وقد كتّف يديه محاولاً التفكير ، تعجب ثيلوميوس من هذا واقترب من كازو بعض الشيء

ولكن في لحظة خبيثة انقض كازو على ثيلوميوس وراح يدغدغه في كل انحاء جسده بابتسامة خبيثة على محياه والاخير يكاد يختنق من الضحك وقد اغرورقت عيناه بالدموع !

توقف كازو بعد فترة وقال بابتسامة هادئة

- اترى ؟! هذا امرٌ مضحك وجميل وليس الثلج البارد !

وقف ثيلوميوس يمسح الدموع من عينيه وهو يبتسم قائلاً بشقاوة

- ربما تكون محقاً بعض الشيء اخي كازو ، سأبحث عن اراشي لعلي اسبب له انهياراً عصبياً !

قهقه كازو بشكلٍ هستيري وهو يضرب ثيلوميوس على كتفه ويقول محفزاً إياه

- اجل اجل ان تسبب لذلك الاحمق جلطةُ سيكون امراً مضحكاً ! يمكنك كذلك طعن كاريو في عينيه إن اردت !

لمعت عينا ثيلوميوس بشكلٍ مضحك ليقول متحمساً منفعلاً

- يمكنني كذلك تحطيم سيوف هيرو ووضعها في كأس عصير البرتقال الذي يحبه وسيسبب له هذا جروحاً داخلية تؤدي لنزيف حاد ثم الوفاة !

صفّر كازو مبهراً وقد لمعت عيناه بشكل ابله كذلك ليعقب بخبثٍ مرعب

- ما رأيك بأن نحرق مكتبة جيرا ونتهم دان ؟! انا متأكد من انه سيكون عرضاً دموياً !

تحولت عينا ثيلوميوس إلى نوعٍ مرعب من القلوب ولعابه يسيل من الحماسة ، قفز على كازو وعانقه وهو يصرخ قائلاً

- احبك اخي كازو ! دائماً ما تساندني في اعمالي الشريرة !

ابتسم كازو بسعادة مطلقة وهو يربت على رأس ثيلوميوس ولكنه سرعان ما شعر بشيء غريب ففتح عينيه متمعناً رأس ثيلوميوس ، اتسعت عيناه بعض الشيء ودفع ثيلوميوس بعيداً وهو يصرخ بقوة !

بدون ان يشعر حمل ثيلوميوس بيد واحدة وركض به ناحية غرفة ساتان الخاصة بإجراء التجارب فدلف اليها مسرعاً يشق الخطى متوتراً !

التفت اليه ساتان بقليل من الدهشة ليردف ببروده المعتاد

- كازو ما الذي يحدث ؟ ولما تحمل صغيري ثيلوميوس بهذا الشكل ؟!

حمل كازو ثيلوميوس بيديه الاثنتين كالطفل الصغير ورفعه امام ناظريّ ساتان ليصرخ بفجيعة وصدمة

- انظر يا والدي ! لا اعلم ما هذا المرض ! لا اتذكر اني سمعت عنه من قبل !! هذه الآذان الغريبة التي ظهرت على رأس ثيلوميوس مرعبة !!

ضاقت عينا ساتان لوهلة وهو يمعّن النظر في الاذنين اللتين ظهرتا على رأس ثيلوميوس لينفجر بعدها ضاحكاً بشكلٍ هستيري مهيب !

ابتسم ثيلوميوس بإعجاب لوالده اما كازو فقد شعر بقليل من الحيرة لما يحدث امام ناظريه !

صمت ساتان بعد فترة وقد تجمعت الدموع في عينيه ، مسحها بطرف اصبعه ليردف محاولاً كبت الضحكة التي لا تزال غير منتهية

- انسيت يا كازو بأن الكيرينز حالما يبدؤون بالنمو ينمو لديهم آذانٌ على رؤوسهم ؟! وهذه الاذان دليلٌ على انهم يستطيعون التحول لثعالب بيضاء ضخمة ؟! يبدو وكأن عزيزنا ثيلوميوس قد بلغ السنّ المناسب للتحول الان !

استدار ثيلوميوس واللعاب يسيل من فمه من الحماس ليصرخ في وجه كازو سعيداً

- ارأيت يا اخي ؟! انا الان قادرٌ على فعل خدعة جديدة ! يمكنني الان ان اجلط اراشي بسهولة !

توتر كازو من جملة ثيلوميوس ريثما ساتان قد ضاقت عيناه بعض الشيء فاتجه ناحية ثيلوميوس وامسكه من اذنه ورفعه الى الاعلى قليلاً ليتوتر الاخير ويتصبب العرق منه وهو يسمع همس ساتان الشيطاني في اذنه مردداً

- لا تحاول ان تجلطه الان ! اتركه يستمتع بحياته ثم اجلطه حالما يكبر ! حينها قد يكون موته مفيداً

تحولت عينا ثيلوميوس لنوعٍ من نجوم السعادة والحماسة ليلتف ناحية والده ويهز رأسه متفهماً وذيله الابيض من خلفه يهتز كما تهتز ذيول الكلاب !

انزله فخرج راكضاً يبحث عن شيء ما يقضي به وقته ويفرغ طاقاته عليه ، ابتسما عليه وعاد كل منهما بعدها للإنشغال بعمله الخاص دون اي ادنى تفكير بما سيحدث قريباً !

يجوبُ جنبات القصر كالعادة باحثاً عن ضحية جديدة لتجاربه و مقالبه التي لا تنتهي ، ثيلوميوس الذي حيّر الجميع بكيفية سلبه لقلب ساتان ، غموضه الذي يخيف بعضهم لا يخفى على احد وليس خافياً حب الجميع له !

لم يكن يعلم بأمر تلك النظرات الخبيثة المجنونة التي تراقبه وهو يسير بطريقة مضحكة مغنياً اغنية عن غرابٍ ما قتلته سمكة !

من حيث لم يعلم ظهر دانتاليون خلفه ينظر اليه بقليل من البرود والتعجب ، توقف يرمقه بعينيه الواسعتين متعجباً من دان الواقف دون حراك

ضاقت عينا ثيلوميوس وقال متعجباً

- ما الامر دان ؟ تبدو غريباً

امال دان رأسه بعض شيء وحكّ شعره وهو يردف بغموض

- يمكنك ان تقول بأني متعجب من الدودة الضخمة التي تعلو كتفك !

اتسعت عينا الصغير المسكين بخوفٍ يعرفه فقط دان الذي وقع ضحية هذا الفتى عدة مرات ، تصبب العرق منه وهو يحرك مقلتيه بصعوبة ناحية كتفه حتى شاهدها

تلك المقززة الضخمة الخضراء التي لا ترحم جماله وشقاوته ، تحركت فسرت القشعريرة في جسده ، هذا المخلوق الذي يرعبه اكثر من اي شيء في الحياة !

اعاد النظر إلى دان المبتسم بذبول وكأن ابتسامته الميتة ناجمة عن ملايين المقالب التي احدثها هذا الطفل فيه ، بدأت الدموع الخائفة تتجمع في مقلتي ثيلوميوس وهو يترّجى دان بأن ينزعها عنه

- دان ، ارجوك انزع هذه المقززة عني ، انــ .. انـا خائف !!

يمكن القول بأن دان اتسعت ابتسامته واضحى يقهقه بشرٍ مرعب ! إلا انه توقف حالما بدأت ثيلوميوس بالبكاء حقاً من الخوف بصمتٍ غريب !

انه يخاف الديدان حقاً .. توتر دان وشعر بالذنب ينهش في عظامه ببطء ! اتجه ناحية ثيلوميوس وانتزع الدودة عن كتفه والقاها بعيداً ليقتلها بكرة نارية صغيرة اطلقها !

اعاد النظر ناحية ثيلوميوس وهو لا يزال يبكي بطريقة تكسر القلوب فعانقه بهدوء وربت على رأسه وهو يقول مخففاً

- آسف ثيلي ! لم اكن اعرف بأنك تخاف منها حقاً ! قال لي اراشي هذا وظننته يمزح !

توقف ثيلوميوس عن البكاء واضحت نظراته باردة حينما ذكر دان اسم اراشي ! ابتسم بطريقة عجيبة ليردف بشكلٍ اربك دان

- والدي كان محقاً ! قتله سيكون ممتعاً إن كان بطيئاً !

كعبٌ عالٍ القي على رأس دان من بعيد ! فاخترق رأسه ودفعه بقوة على الجدار ، رافقت هذه الضربة المباغتة السفاحة اصوات صراخٍ ماجنة !

التفت ثيلوميوس ببرود واذا بآياكا تقف بعيداً تنظر اليه بوجنتين محمرتين من الخجل ! لمعت عيناه بطريقة لطيفة حالما شاهدتها لتتورد وجنتاه كذلك من الخجل !

بدأت تركض ناحيته والجو من حولها يتلألأ و هي تقول بحب كبير فاردة يديها

- ثيلي ، صغيري الجميل !

تلألأ الجو من حول ثيلوميوس كذلك وهو يركض ناحيتها فارداً يديه حتى قفز واستقر بين احاضنها وهي تعانقه بشدة وتدور به سعيدة !

جلست بعدها على الارض بهدوء وهي تمسك به بيديها كالدمى ، امعنت النظر في وجهه فازداد احمرار وجنتيها من السعادة !

عانقته مرة اخرى بقوة كبيرة كاد يختنق على اثرها وهي تقول سعيدة

- يا الهي انت اكثر جمالاً حتى من باندورا حينما كان طفلاً ! لا اصدق روعتك يا صغيري !

ابتسم بغرور وقد طال انفه ، حرك شعره بيديه وقال متكبراً

- هذا الكلام لا يزيد غروري إلا غروراً ماما !

نزف انف آيـآكا في تلك اللحظة وراحت تصرخ سعيدة ماجنة بشكلٍ مضحك ، وجنتاها كالاطفال تماماً و هي تشعر بالخدر من حبها لهذا الطفل !

ولكنها توقف للحظة حينما اعادت النظر اليه بخبث اربكه بعض الشيء ، امسكته من كتفيه بقوة وهي تقول

- سوف يكون بديعاً ان اجعلك ترتدي الفساتين واضع لك مساحيق التزيين !

توتر ثيلوميوس بعض الشيء ولكن الفكرة راقت له بشكلٍ مثالي ولكن ما ارعبه كان الكعب الذي رُد على رأس والدته ! واخترق جانب رأسها وهي متعجبة بعض الشيء !

نظرت ناحية دان الذي تقدم منها بعرق الغضب بادياً على وجهه ، اشار بأصبعه ناحيتها وقال بغضب وغباء

- لما تفعلين ذلك ؟! الست في مرتبة ابنك كذلك ؟!

امالت رأسها وقد اغمضت عينيها تفكر في الموضوع ! اردف بعدها ببرود

- انت قاسي القلب دان ! ابكيت صغيري الجميل اللطيف البديع شبيه حلوى القطن المنفوش !

ربما كان اللقب الطويل هو اكثر ما ارعب قلب دان حينما سمعه ! تجاهلت آيـآكا حضور دان مما حطم قلبه وجعله يسقط على ركبتيه يبكي بحسرة على نفسه المسكينة !

اعادت آيـآكا النظر ناحية ثيلوميوس بحب لا حد له وهي تربت على رأسه وتدغدغه حتى يضحك بشكلٍ طفولي جميل !

ابتسمت له بهدوء تام وهي تمسع كلمة امي من بين شفتيه ، شعرت بأن الفراغ الذي احدثه موت باندورا قد بدأ يختفي تدريجياً بفعل حبها لهذا الطفل الذي تعتبره ابنها الذي انجبته بنفسها !

تذكر ثيلوميوس شيئاً وقد كانت آيـآكا قد وقفت للتو ، امسك بفستانها ونظر اليها بنظراتٍ شيطانية اربكتها بشكلٍ كبير ، كانت ملامحه مرعبة جداً وهو يردف ببرود ورعب

- امي ، ما رأيك ان ازعج ريو حتى ينفجر من الغضب ؟!

اتسعت عينا آيـآكا لوهلة بطريقة مخيفة سرعان ما قهقهت بشيطانية ورعب لتبادل ثيلوميوس النظرات المرعبة وتردف بنفس الرعب

- لهذا انت ابني ! كم انا فخورة بك !

استطاع دان ان يرى منظراً مرعباً في تلك اللحظة !

السنة افاعي تخرج من فم آيـآكا وثيلوميوس ، بالاضافة لاختفاء مقلتيهما وتحول بياض اعينهما للأحمر التام ولا ينسى النيران المرعبة التي ظهرت خلفهما والهقهقة التي ذكرته بقهقهات العجائز الساحرات !

صرخ بهما مرتعباً

- لسنا نعيش في روكفيرد ايها الابلهان !!!

خرج ثيلوميوس من القصر بهدوء باحثاً عن ريو ضحيته التي يستمتع دائماً بتعذيبها نفسياً ، لا احد يعلم حقاً لما يمتلك ثيلوميوس هذه الرغبة المخيفة في فعل المقالب ، ولكن الجميع ثبتوا على شيء واحد

ساتان هو السبب !!

دخل إلى مغارة مضيئة بأحجار خاصة تعطي ضوئاً تركوازياً ، تعتبر التنانين هذه المغارة مكاناً مقدساً لان اسطورة قديمة لديهم تقول بأن اقوى تنين عاش فيها ومات وانتقلت قوته بين احجار هذه المغارة التي تساعد في اعادة الطاقة وحفظها في اجساد التنانين !

دلف اليها سعيداً متحمساً ينظر لريو النائم بشرٍ مطلق ، حالما وقف امام ريو حتى فتح الناعس عيناً واحدة فنظر الى ثيلوميوس المتحمس وتنهد مستسلماً منذ الان

قال ببرود وهو يتثائب

- ما الذي تريده ايها الغر ؟!

ضاقت عينا ثيلي قليلاً بنفس الابتسامة ليردف ببراءة مريبة

- انا هنا لزيارتك عمي ريو !

راودت الشكوك ريو الذي ارتعب من البراءة التي تخرج من عينيّ ثيلي الصغير ، ابتسم بسخرية عليه وقال ساخراً

- حسناً حسناً كما ارى الدودة اتت لزيارة العصفور الذي سيأكلها !

حالما تذكر ثيلوميوس الدودة حتى راوده شعورٌ بالغثيان ورغبة قوية بالتقيؤ ، صرخ في وجه ريو ببلاهة قائلاً

- لا تقل دودة ! انا ثعلب ! ثعلبٌ جميل !

ضاقت عينا ريو وقهقه ساخراً بعدها ليردف

- حيوان ! لا يهمني ايها الغبي فأنت في النهاية نوعٌ من الحيوانات !

توقف ثيلوميوس عن الصراخ فجأة وهو يفكر بالحقيقة التي اخبرها به ريو ، شعر بالاحباط وجلس على ركبتيه يرسم بأصابعه على الارض

لم يهتم ريو كثيراً به ولكنه وقف فجأة ورفع يده راغباً بسحق هذا الطفل ، يمكنه ان يقول لساتان بأن صخرة ضخمة سقطت عليه جراء مزحة فاشلة وسحق على اثرها

هوى ريو بيده على الارض ولكن ثيلوميوس تحرك على حين غفلة حينما شاهد حجراً ازرق لامع على الارض مما اثار اعجابه

حينما هوت يد ريو على الارض تحطمت الارض وتصدعت بشكلٍ كان ليرعب اي شخص عدا ثيلوميوس الذي صرخ من الحماسة وهو يقول

- رآئع ! هذا مدهش ! كم تعجبني هذه القوة ايها التنين الهرم ! لا تزال شاباً اذا !

توتر ريو حالما ادرك فشله في مهمة قتل ثيلوميوس ، راح ينظر يمنة وشمالاً حتى يجد طريقة اخرى لقتل هذا الطفل المزعج !

إلا انه تقدم فجأة ووضع يده على مخالب ريو الضخمة ليرفع الاخير حاجباً ويردف بسخرية لاذعة

- اتحاول ان تظهر جانبي اللطيف بوضعك يدك الناعمة على يدي الجميلة والمميزة ؟!

كان ثيلوميوس يبتسم بطريقة مريبة اثارت الشكوك في نفس ريو الذي شعر بقليل من التوتر حينما امسك ثيلوميوس بمخلبه

رغم تفاوت الحجم بين مخلب التنين ويد الصغير إلا ان المفاجئة كانت حينما استطاع هذا الطفل ان يلوي المخلب ويكسره !

انتفض ريو من الالم والرعب الذي سرى في جسده ، تراجع الى الخلف وهو يصرخ مرتعباً

- ايها الجرذ الفأري اللعين ! ما الذي فعلته بمخلبي الجميل ؟! كيف يمكنني الان مغازلة جميلات الوحوش ؟!

لم يرد ثيلوميوس بل اكتفى بأن قفز ولكم ريو على وجهه فتراجع ريو بقوة إلى الخلف ولم يستطع ان يتوقف من قوة ثيلوميوس الجسدية الضخمة !

ارتطم بالجدار وثيلوميوس يقهقه بنصرٍ و راحة وهو يقول بفخر

- كما توقعت ! انا قوي !

ظهرت النجوم من حوله وهو يرقص سعيداً بإنجازه فاسرع بالخروج من المغارة ليصدح صوت ريو من خلفه صارخاً بغضبٍ حقيقي

- سيأتي يومٌ واحولك فيه لدودة مفرومة ايها اللعين !!!!!

لا يمكنه انكار ارتعابه الشديد من هذه العبارة المرعبة ولكنه حاول بقدر الامكان عدم اظهار خوفه منها حتى عاد للقصر بهدوء ودلف اليه تعباً محتاجاً للراحة !

ولكنه لا يستطيع النوم دونها ! اجل عليه ان يجدها في الحال قبل ان يتقوقع على نفسه و يسقط نائماً لـ الله وحده يعلم متى !

راح يبحث عنها في كل مكان ، تلك العزيزة التي صنعها له كاريو واهداه إياها قبل بضع سنوات ، جاب جنبات القصر كلها باحثاً ولكنه لم يستطع ان يعثر عليها بعد !

بدأ الخوف يراوده من انها قد اضطهدت وتم تقطيع اطرافها واخراج احشائها ممن يريدون الانتقام منه ! حالما تخيل المنظر المرعب حتى حاول كبت رغبته في البكاء بشدة

ولكنه توقف فجأة حينما شاهدها مرتكزة على الجدار بهدوء ، ابتسم وركض ناحيتها ليعانقها بقوة ! تلك الدمية المحشوة الضخمة المرعبة !

تجسيد لغولٍ اخضر ذي عين واحدة وفمٍ قبيح مبتسم !

اعطاه كاريو أياها محاولاً ارعابه ولكنه صُدم حينما احب الصغير المشاغب الدمية لدرجة الجنون !

عانقها بشدة وهو يستشعر الدفئ فيها وبدون ان يشعر ثيلوميوس لنفسه كان قد غرق في النوم من الارهاق الذي يشعر به

بعد فترة من هذا تجمع الاخوة السبعة عليه واحاطوه وهم ينظرون اليه بنوايا مختلفة الطباع ، كلٌ منهم يحبه بطريقته ولكن طرق البعض مرعبة .. ومريبة !

قاطع تشيتوسي تفكيرهم حينما تقدم وقام بتغطية ثيلوميوس الذي كان يرتجف بعض الشيء من البرد ، احمرت وجنات الجميع وابتسموا ببلاهة على مظهره اللطيف بوجنتيه المتوردتين وابتسامته الصغيرة وهو يعانق الدمية المرعبة

التفت اراشي المبتسم بخبث ناحية كاريو ليجد اللعاب يسيل بشكلٍ مرعب من فمه ، توتر وتراجع إلى الخلف ليصرخ برعبه الطفولي

- ما الذي تفكر فيه ؟!

التفت كاريو ببرود لآراشي واذا به متورد الوجنتين ويبدو كمن وقع في الحب لكن ببرود غريب !

اجابه ببرود مرعب ممزوج بحماسة وشهوة ارعبت اراشي

- كنت افكر كيف سيبدو طعمه إن قضمت وجنته ومغضتها ولكتها بين فكيّ !

حالما تخيل اراشي الموضوع حتى ظهر ظلٌ ازرق على وجهه وارتعب بشدة فتراجع اكثر للخلف ريثما باقي اخوته قاموا بتكبيل كاريو بالحبال والقوه في ركن من اركان الغرفة وملامحه الباردة لا تزال سيدة الموقف !

بدا ثيلوميوس منزعجاً قليلاً من ازعاجهم ، فتقدم كازو و حك خلف اذنه الثعلبية مما اراحه مجدداً ، ابتسم كازو بحنان وقال بهدوء

- نم يا اخي الصغير ! سوف نعيش طويلاً معاً !

ربما تكون هذه العبارات هي آخر ما استطاع ثيلوميوس ان يحصل عليه من اخوته ! وربما تكون بداية لشيء آخر !

ولكن احداً لم يتوقع ما حصل في ذلك اليوم المرير الملعون حينما كانت الامطار تهطل بشكل مرعب هستيري والريح الهوجاء تقتلع الاشجار القوية !

عاصفةٌ ضربت المنطقة فجعلت قلب ساتان مضطرباً لدرجة كبيرة ، لم يكن بإمكانه الراحة او التوقف عن التفكير !

امرٌ ما ينغص قلبه على وشك ان يحدث ، شعورٌ بالارق والترقب والقلق الذي يدمر الاعصاب !

يعلم بأن امراً على وشك ان يحدث ! ولكنه لا يعلم ماهيته ! ولكنه فهم قليلاً حينما راود خياله صورة لثيلوميوس مضرجاً بدمائه !

كاد يجنّ ! خرج من القصر بلا تفكير وهو يصرخ باسمه منادياً في كل مكان ! لن يهتم بالعاصفة ! لن يهتم بنفسه !

يريد ابنه وحسب ! يريد ان يرى ابتسامته وان يسمع صوته ! جنّ جنونه حينما لم يجد له اثراً ! راح يبحثُ عنه في كل مكان ولكن دون اي جدوى ، قلبه ينبض بشكل هسيتري و ارتجافة تحتل جسده ، بدى للحظات مختلفاً عن ساتان الذي يعرفه الجميع !

ولكن تصنمه في تلك اللحظة كانت امراً روتينياً ، حينما القى القدر بأكبر الهموم على قلبه وسرق من بين اصابعه كنزاً ثميناً لا يمكن استبداله

شعر بأن قطرات المطر اصبحت بطيئة وان الصورة التي امامه كاذبة ! وهمٌ فقط ! اجل هو يتوهم لا محال ! لا يريد ان يصدق الصورة التي يترجمها عقله بأفظع الامور !

حينما شاهدها جاثية على ركبتيها ! مبللة بقطرات المطر والدماء ! وهي تعانق جثته الصغيرة المشوهة بين يديها !

اتسعت عيناه بفاجعة وكأنما قلبه قد تحطم لملايين القطع في تلك اللحظات ! شاهد يدها الملطخة بالدماء وصوت انينها وشهيقها اللذين لم يختفيا !

بدون ان يشعر سألها بانكسار

- لما آيـآكا ؟! لماذا ؟!!!!!!

توقفت فجأة عن البكاء وكأنما هي لم تعرف بحضوره ، وبدون ان يعرف هو ما فعلته رفعت وجهها لتظهر الملامح المرعبة الميتة بابتسامة شيطانية محضة محطمة لتجيبه بغموض و ارتجاف

- لا .... اعلم !

في تلك اللحظة ، نورٌ ما ، شعورٌ ما يحمله ساتان ناحية آيـآكا .. قد انطفأ للأبد !

نهاية الفلاش باك !





الوقت الحالي

الوقت هو ذلك الشيء الذي يمضي مختلفاً بالنسبة للكل ، طويل للبعض وقصر لآخرين وربما لا وجود له لمن ذاق مرارة الحياة

الصداع الذي يحتل الرؤوس حينما نفقد الاحساس بما حولنا ، بأنفسنا وبغيرنا !

ذلك الوهم الذي يأكلنا بصمت محاولاً ان ينسينا مكاننا في هذا العالم ، الفراغ الذي نراه اسوداً مظلماً بارداً يسحبنا ببطء ناحية الهاوية

فقد الايمان هو ما يتطلبه الامر للوقوع ضحايا للضياع و التساؤلات ! ففي النهاية لا يستطيع الجميع إيجاد الضوء في نهاية النفق !

كما هو حالها تقف بلا ادراك لما حولها ، متبلدة بشعورٍ غريب من العتمة والفراغ و التيهان ، متكورة في عالمٍ لا تجيد الخروج منه حتى عن طريق الاموات !

تستل بقلبها النسيان فترفعه للسماء ، متناسية قوة جبارة تعوم في الحياة ! جميعهم ينظرون اليها متفائلين وخائفين من هذا الصمت وخفوت الحياة !

ولكنها استلت الدفة حينما سمعت صوت آيـآكا يتردد في رأسها قائلاً بخبث

- والان عزيزتي آيـآمي ، إلى باندورا اذهبي وخذيه من مرتعه !

بدون ان تشعر كانت قد بدأت بالسير ، تقدم كازو منها فقال بابتسامة متوترة

- آيـــآ ..

ولكنه لم يكمل جملته حينما تجاهلته وقد تخطته دون ان يبدو له اي وجود في ناظريها !

اتسعت عيناه غضباً فالتفت وامسك برسغها بقوة ، ولكنها بحركة سريعة حررت يدها لتطول اظافرها وتحركها ناحية رقبته وملامحها الجامدة لم تتغير

شعر بالتوتر ينخر عظامه ، فأخته ليست بالتي ستفعل هذا به ! ولكنه ادرك الموت في عينيها حينما شاهد خفوت الادراك ! وكأنما هي دمية يتم تحريكها بخيوط صانعها !

تحركت مجدداً تاركةً إياه خلفها فدلفت إلى القصر باحثة عن سيفها الذي تركته حينما سقطت في الهاوية برفقة آيـآكا !

استوقفها ظهور ساتان امامها فجأة ، لم تتغير ملامحها الهادئة الميتة ، بل من تغيرت ملامحه كان هو الذي ادرك ان ادراكها قد انتزع من جسدها !

شدّ على قبضته وغطت خصلات شعره عينيه وهو يعض بحسرة على شفتيه حتى ادمتا ! حالما رفع رأسه مجدداً حتى اختفت من امام ناظريه مما اركبه كثيراً !

يعرف ما تريده لذا ازمع ناحية الغرفة التي يحفظ فيها باندورا ، يرجو ان لا تكون قد حصلت عليه وإلا فقد يحصل ما لا يحمد عقباه لاحقاً !

دخل إلى الغرفة واذا بالصندوق محطم والسيف تلاشى منه ، النافذة مفتوحة دليلاً على هروبها منها !

تجمّدت ملامحه بشكلٍ كان ليرعب اي شخصٍ يراه ، التفت ببرود وسار متجهاً في غياهب القصر ، حتى مرّت من جانبه ماري التي تحاول استيعاب ما يجري فحدجها بنظراته المرعبة مما اخافها بشكلٍ كبير !

يعلم ان خلف كل هذا مؤامرة اكيدة تحاك من قبل شقيقته الخبيثة ولكن لا يزال لا يعلم ما الذي تنوي عليه ، خاصةً وانها لن تستطيع فعل ما كانت تريده مرة اخرى !

اما هي فقد وقفت على حافة سفحٍ عالٍ تنظر بلا استيعاب لما امامها ، جلّ ما استطاعت ادراكه هو صوت آيـآكا الرنان في عقلها والذي يحثها بكلماتٍ غريبة على فعل اشياء فظيعة !

- عزيزتي آيـآمي ، بما إن ما كنتُ اخطط له قد توقف فأنا الان بحاجة لاضاحي عديدة من اجل تعويض التقنية عما فقدته من الطاقة ، نحن بحاجة للدماء البشرية ! فهي الدماء التي تحمل انقى احقاد الدنيا واكثرها قابلية للتأثر بوساوسنا الخبيثة ! لذا اذهبي لعالم البشر واقتلي اكثر ما يمكنك منهم !

قفزت آيـآمي من ذلك السفح وهي تتجه ناحية عالم البشر ، وهي لا تعلم بأنها على وشك ان تقدم على فعل اكثر ما ستندم عليه لاحقاً !





شعورٌ غريب لا ينفك ان يتركها وشأنها وهي تشعر بأن اموراً مرعبة على وشك ان تحدث قريباً !

هذا التوتر وهذه الرؤى التي تراها عن نفسها تتحرك كالدمى ، امورٌ مرعبة تحصل لها وهي على غير دراية بها على الاطلاق

هي الان تجلس على سريرها ، حل الليل سريعاً وهي غير مسموحٍ لها بالخروج من هذا المكان !

جلّ ما يمكنها فعله هو مراقبة القمر الذي يتغير لونه كل يوم من ايام الشهر ، وللأسف لونه اليوم هو الاحمر القرمزي !

تعرف بانها قد بدأت تجنّ بشكلٍ تام ولكنها لا تريد تصديق هذا ! يكفيها شعوراً بالثقل في قلبها كلما تذكرت بأنها محجوزة في عالمٍ لا تستطيع الخروج منه

بقيت تهتهم بأغنية ما لا تعرف من اين حفظتها وهي تراقب الغابة السوداء الصامتة على مرّ الزمان ، تريد الخروج من هنا !

تريد فعل الكثير من الاشياء ولكنها متحيرة ! تشعر بأن هناك شيئاً ناقصاً ! افكارٌ غريبة تراودها !

اجل هي تسير الان في طريق الجنون بلا ريب ! ولكنها لا تريد ان تصبح مجنونة كما اخوتها ! يكفيها كونها تشببهم لهذا الحد !

تنهدت محاولة طرد كل شيء من داخلها ولكن دون فائدة ، فهي قد وصلت لمرحلة الاستسلام مسبقاً

ترجلت من جلوسها بالقرب من النافذة واتجهت ناحية فراشها لعلها تغط في نومٍ عميق تنجو فيه مما يدور بخلدها الان !
 
~
 
 

تحركت الغيوم بسرعة مهيبة في ليلة مقمرة في عالم البشر

الصمت الليلي الكئيب الذي لا يكسره إلا نعيب البوم و اصوات طيران الخفافيش السوداء

تسللت خيوط ضوء القمر حالما تحركت الغيوم الرمادية وتعدته لتسقط على قرية هادئة محاطة بغابة جميلة في وضح النهار ، مرعبة في الليل

اهلها نيامٌ بهدوء وسلام ، يرجون الحياة والاستيقاظ على ضحكات الناس ، ولكن خيوط الظلام تتلاعب بالقلوب

وتكسر اضرحة الاصول ، تنطوي خلفها آهاتٌ من زمن مدثور و لا تعطي لصاحبها حقاً خلف الكذب المستور !

خطواتها هادئة تكتسح السودا حلة وتحمل بين يديها السيف المتعطش من دماء ضحاياه المرتقبين !

توقفت على بعد فراسخ من تلك القرية الصغيرة السعيدة ، حينها تحولت عيونها للاحمر البراق المرعب

وابتسمت لتظهر انيابها الشيطانية الساغبة للدماء وسفك الارواح ، تستطيع الشعور بنشوة باندورا بارتجافة في نصله الحاد !

ولكنها قبل ان تقدم على ايّ خطوة حركت يدها قليلاً واشارت بأصابعها فمن تحت اقدامها امتدت النيران الزرقاء الجحيمية ، علامة ساتان الازلية

امتدت ناحية القرية النائمة بصمت وسلام ، فبدأت تتأجج بلظى الموت في كل مكان ، وخلال ثوانٍ قلال كانت اصوات الصراخ قد عمت الارجاء !

بدأت البيوت تحترق ! ومات فيها ناسٌ نيام وتحولوا للرماد ، آخرون استيقظوا وخرجوا من بيوتهم متعلقين بخيوط النجاة !

تلك الخيوط الثخينة الضعيفة سهلة القطع والاختفاء ، كلهم يصرخون بضرورة جلب الماء ! ولكن حالما تمسهم النيران فأنهم موتى !

النيران الزرقاء ، لو اصابتك شرارة منها لتحولت لرماد على الفور دون اي عناء ، ولكن العذاب الذي تشعر به في تلك اللحظة الخاصة بالاحتراق كفيلٌ ليكفيك عشرين سنة من اشد انواع العذاب النفسي والجسدي !

بعدما تأكدت من ان كل من في القرية قد استيقظ وساد الذعر في كل ارجاء المعمورة ، بدأت تسير بخطواتها الباردة ناحيتهم

وصوت كعبها العالي يتردد في الارجاء ويختلط مع صوت فحيح النيران ، ظهرت هي بملابسها السوداء من بين الاشجار ، تسير بين النيران التي تتجنب ان تمسها بالسوء

توقف البعض ينظرون اليها بخوفٍ وغير استيعاب ، ما الذي جلب غريبة إلى هذا المكان ؟!

بهدوء وعدم اكثراث انتشلت باندورا عديم الروح من غمده الاسود القاتم ،فالتمتعت الكتابات الحمراء عليه !

وبخطوة سريعة تحركت ناحية مجموعة من الناس ، فحركت باندورا عرضياً عليهم فتقطعوا لانصاف !

تناثرت الدماء عليها من كل مكان ، وهي تخترق صفوف الجثث بثبات و هدوء ، واذا بها تصادف رجالاً يحاولون القتال للنجاة

تجنبت ضرباتهم البائسة اليائسة ، وحركت سيفها فطعنت قلوبهم بسرعة خاطفة ازالت نور الحياة من اعينهم

وفي الناحية الاخرى من النيران كانت مجموعة اخرى تحاول النجاة بالركض في الارجاء ، ولكنها كانت مستعدة لهذا منذ البداية

فرقعت بأصابعها فتفعلت تقنية حجزتهم في محيط القرية مستعرة النيران ، اتجهت ناحيتهم وهي على القتل في رغاب !

وعلى الاشجار السوداء وقفت سربان الغربان الظلامية ذات الاعين الحمراء ، تنعق بشؤمٍ و نداء للموت والظلام !

تارة قطعت رؤوسهم وتارة طعنتم وتارة قطعتهم لأنصاف ، وكلما فعلت ذلك كلما كثر تناثر الدماء على انحاء ثيابها والوجه الشاحب من الادراك

حينها توقفت للحظة وهي تشعر بحياة واحدة باقية تركض محاولة النجاة ، بدأت تركض كالارشباح وسط رحم العتمة والشيء الوحيد الظاهر هو عينها الحمراء وحسب

توقف حالما شاهدته ، طفلٌ يرجو الحياة فقط ! ولكنها لا تهتم برغبته ! فرغبتها هي مطلقة ولا عصيان لامرها

التفت للخلف فجأة حينما شعر بها كالظلال تحوم حوله ، وقد رأى السيف يتحرك في الهواء بين يديها مترنحاً حتى لامس رقبته وفصل الحياة عن اكتافه !

وقفت للحظات تسمع فحيح النيران وتآكل الاخشاب والبيوت والبنيان ، عرفت بأن لا حياة باقية في هذه القرية الصغيرة التي ذاقت الويل في لحظات !

حينها اغمضت عينيها واعادت باندورا لغمده بهدوء ، و انطفأت النيران من حولها ليسود الصمت كل المكان !

حركت يديها وقامت بعمل اختامٍ لتقنية ما ، فأُحيطت القرية بضوءٍ ابيض ساطع !

وفي الهواء ظهرت نقط ضوءٍ بيضاء كذلك ، قربت يديها مع بعضهما بتكوير فراغي فتجمعت الاضواء البيضاء فيها على شاكلة كرة من الضوء

اخرجت زجاجة من بين ملابسها و ادخلت ذلك الضوء فيه ، فتجمع على شاكلة مياه بيضاء لامعة وسط الظلام

حينها ظهر صوت آيـآكا لها جلياً بابتسامة نكراء لعينة تردف بها خبثها المعهود

- احسنتِ ، الان هذه الارواح ستفيدنا بشكلٍ كبير في خطوتنا التالية !

خبأت تلك الزجاجة بين ملابسها مجدداً وسارت بهدوء تحمل باندورا بين يديها ، ناحية قرية اخرى تسفك فيها الدماء وتجمع الارواح لاجل هلاك البشرية والشيطان !







رأت كل شيء في منامها الكابوسيّ ، يداها اللتين تسفكان الدماء وتطلختا بما ابقته الارواح !

استمراريتها في قتلهم لانها ترغب بذلك ! اجل ترغب بقتلهم وهذا واضح من متابعتها دون توقف او خوف !

لا تستطيع التحكم بجسدها وهي ترى الفزع واضحاً على وجوه البشر الفانين ، منهم من احترق بالنيران ومنهم من قطعته بالسيف إلى اشلاء !

فتحت عينيها بانبلاج مرعب قلق مصدوم ، صرخت لا شعورياً وهي تشعر بالدماء الحارة على يديها ! وتشعر بثقل الذنب على كاهليها !

امسكت برأسها وتكورت على نفسها ترتجف مصدومة ! كيف فعلت ذلك ؟!

هي قتلت كل هؤلاء دون سبب ؟! ولكن متى ؟ واين ؟ هي لا تتذكر هذا ! ولكن فكرة صغيرة جالت في بالها ! حينما بدأت تدرك لما هي محبوسة في هذا العالم !

رددت بارتجاف ورعب

- ايعقل .. بأن آيـآكا ارسلت وعييّ الى هذا العالم الوهمي .. لإستغلالي ؟!!

اجل فلا تفسير منطقي آخر ، ما دامت آيـآكا غير قادرة على الخروج من البعد الخاص بها ! فهي تستطيع استغلال وجود جسد آيـآمي بأن تفصل الوعيّ عنها و تتحكم بالجسد كالدمية فتقتل به حتى تحقق مرادها وتنشط الختم مرة اخرى لدمج العالمين !

حالما ادركت هذه الحقيقة حتى صرخت بغضبٍ ارعب كل الاحياء والموتى ! لحسن حظها بأن الجميع خارج القصر وإلا لهرعوا يطلبون تفسيراً لهذا الصراخ !

شعرت بأن حلقها جاف ! تحتاج الى شربة ماء في الحال !

ترجلت من فراشها تشعر بالتقزز من نفسها ! ومن الضعف الذي وصلت اليه دون ان تدرك ذلك !

اتجهت ناحية المطبخ بلا ادراك وهي تفكر بما رأته في المنام ، ضوء منكسر التمع في عينيها بشكل يفطر القلوب !

هي لا تريد احلال المجازر دون سبب ! يكفيها من قتلتهم من قبل ! يكفيها الظلام الذي تعيشه على الدوام دون ان تستطيع النجاة منه !

وصلت إلى المطبخ بعد هنيهة لتجد باندورا متعرقاً يلهث بشدة وبين يديه كأس ماء بارد ، ادركت بأنه كذلك شعر بما شعرت به !

زادها ذلك سوءاً اكثر مما كانت تشعر به من قبل ، فتح عينيه حالما شعر بها وادرك هو واقع الامر كذلك !

اتجهت ناحيته وتلقفت كأس ماء من على المنضدة المخصصة لهم وسكبت لها القليل وشربته بغير رغبة !

وضعت الكأس على المنضدة مرة اخرى وتنهدت بتعبٍ وارهاق شديدين ! ضاقت عينا باندورا وهو يقول بهدوء

- والدتي تتحرك بشكلٍ مرعب ! اشك بقدرة ايقافها !

نظرت اليه ببرود لفترة من الزمن ، فاستطردت بعدها قائلة ببرود اكبر

- اعلم ذلك ! ولكن يجب ايقافها !

اغمض عينيه مرهقاً من كثرة التفكير فيما تقدم عليه والدته الخرقاء ، ولكنه سمع صوت آيـآمي يقول مقاطعاً تفكيره

- على اية حال كيف اتيت لهنا ؟! اعني الست ميتاً ؟!

ابتسامة غريبة اعتلت ثغره وهو يضع يديه في جيوبه ويردف بنبرة لم تستطع تفسيرها

- اجل ، انتِ تعلمين بأن روحي محبوسة في السيف ! انا حبستها في الواقع ! استغلت والدتي الوضع واستطاعت ان تجلب جزءاً من روحي لهذا العالم ! اما الجزء الاخر فلا يزال في السيف !

ابتسمت بسخرية غريبة ، اردفت بعدها بقليل من النقد

- انتَ حقاً مختلف ! بشكلك الاخر تكون عديم المشاعر حقاً !

ضاقت عيناه بألم وقد شدّ على شفتيه و قبض يده بقوة مرعبة ، اتسعت عيناها بعض الشيء وامسكت بيده وهي تقول نادمة

- آسفة ! لم اكن ادرك ان الامر حساس بالنسبة لك !

هز رأسه نافياً ، اجابها بلوعة في داخله

- ذلك الشكل ملعون ! انه ملعون ! حذرني والدي منه ولكني لم استمع ! اخبرني بأني سأكون مسخاً حقيقاً ان اصبحت عليه ولكني اردت ان اجرب ! ان اعرف ذلك الشعور الذي يحذرني منه كلٌ من والدي ووالدتي ! انا غبي !! آذيت والدي ، والدتي و كازو !! كنتُ اسوء اخ كبير في الحياة !

بان الفهم على ملامح آيـآمي التي اشاحت بوجهها عن باندورا وصمتت لفترة طويلة ! زفرت بحدة بعدها واعادت سكب الماء في الكأس وهي تنظر إلى المغسلة امامها

حالما ابتعلت المياه حتى اتسعت عيناها صدمة ، تقيأت الماء الذي اختلط بالدماء في المغسلة ! فزع باندورا لحالها وهي تسعل الدماء بلا توقف ! والاكثر سوءاً كانت الدماء تتبخر !

حرارة الدماء الخارجة من جوفها كانت عالية ! سببت حروقاً في مريئها وحلقها ! ولكنها واكبت تقيؤ الدماء بلا توقف وهو يصرخ بأسمها خائفاً !

توقفت حينما شعرت بانقباض غريب في قلبها ! المٌ لا يحتمل راودها فجأة مما سبب نوبة قلبية قوية لها ! شعرت بالاختناق وكأنما شخصٌ ما يطبق على متنفسها بشكل تام !

كذلك حصل الامر لباندورا ! آلمه قلبه بقوة والدماء الحارة تسيل من فمه ! سقط كلاهما على ركبتيهما يسعلان الدماء و يشعران بألم في صدورهما ! المٌ قاتل وكأنما هما على وشك تقيؤ اعضائهما الداخلية كلها !

الحرارة في جوفهم كانت كمن القي في الفرن واغلق عليه الباب ! كانا يريان في رأسيهما منظر قتلهما للناس الابرياء وسلب الارواح !

يشعران بيديهما تقترفان هذا الذنب العظيم ، باندورا ادرك هذا الشعور .. هو يعرفه جيداً ويخشاه اكثر من اي شيء آخر !

ولكن المه توقف ! وكذلك هي ! ولكنها تصنّمت تنظر الى الاعلى وكأنما هي تجمدت في الوقت ! هو قد تحرك بصعوبة وامسكها وراح يهزها خائفاً وهو يصرخ

- آيـآمي ! كلا اياكِ ان تستمعي للصوت ! لا تفعلي ! لا يجب ان تقاسي انتِ كذلك ذلك الامر المفزع !! لا تفعلي !!! اياكِ وفتح الصندوق !!!!!

وجدت هي نفسها في مكانٍ مظلم ! بلا ملامح او حياة ! بلا وجدان او شعورٍ ما !

امامها صندوقٌ اسود كبير بلون الظلام ولكنه كان واضحاً لسببٍ لم تفقه اليه ! اتجهت ناحية الصندوق الذي فُتح للربع !

فبان جوفه المخملي الاحمر ! وداخله توسط دخانٌ اسود المكان ، بدى وكأنه ينتظر ان يفتح الصندوق كي يخرج وينفذ مهمته الازلية !

شعرت بنبض قلبها يتسارع وهي تمد يدها لا شعورياً ناحية الصندوق ، ارادت فتحه لسبب لم تفقه اليه !

ولكن .. خوفٌ ما اعتراها فجأة فتراجعت للخلف بسرعة وهي تضع يديها على آذانها التي كادت تصم من صوت الصراخ الذي تسمعه !

وكأنما آلالاف الارواح المعذبة تصرخ في هذا الظلام ! تطلب النجدة .. تطلب العون والسداد ! آلمتها الاصوات ! آلمها العذاب الذي يشعرون به !

ما الذي يحدث لها بحق الجحيم ؟! لما يحدث لها هذا ؟! لما هي ؟!

تعجب باندورا حينما سقطت آيـآمي مغشياً عليها بين يديه ! شعر بالراحة .. فهو قد ادرك بأنها لم تفتح الصندوق ! ادرك بأنها لم ترتكب نفس خطيئته السابقة !

حملها بصعوبة وهو يترنح متألماً ، اخذها لغرفتها ووضعها على الفراش ، لم تكن لديه الطاقة اللازمة للسير فاستقلى جانبها ونام وتنفسه السريع لا يزال على حاله !





كانت خيوط الفجر الاولى قد اتت لتستقبل فاجعة على عالم البشر ! حينما انتصف الظلام والضوء في السماء في آنٍ واحد !

وقد كانت هي تقف عند اطلال قرية احرقتها للرماد للتو ! واحتجزت الارواح فيها في زجاجة اخرى خبأتها بين ملابسها مع اخريات عديدات !

ولكن فجأة عاد نورٌ ما في عينيها ! ادراكها المفقود قد عاد وهي مصدومة للحال التي اصبحت عليها !

نظرت ليديها بصدمة لترى الدماء وعلى ملابسها رائحة الموت الكريهة الظلامية ، كانت مصدومة وانفاسها تتسارع برغبة عارمة في الصراخ !

يا ترى كم روحاً سفكت ؟! وكم قرية دمرت في هذا الوقت القصير ؟!

لا يغتفر ! هذا لا يغتفر ! هي لن تسامح نفسها على هذا ! مهما مرّ من الزمان ! لن تسامح نفسها على قتل الابرياء دون سبب !

ولكن الم قلبها الذي عاد فجأة وسعال الدماء قد ايقظها من التفكير ! امتلأ فمها بالدماء الحارقة وسعلتها على الارض التي تآكلت بعض الشيء !

وكأن هذه الدماء احماضٌ وليست من مكونات الحياة ! ادركت بأنها قد تعود لذلك العالم في اي لحظة لذا يجب عليها فعل بعض الاشياء اولاً !

بدأت تركض رغم الالام التي تشعر بها في كل مكان في جسدها ، يجب عليها ان تذهب لكونوها ! يجب ان تراه من بعيد و تنفذ ما يدور بخلدها الان !

لا يزال الوقت فجراً و لا يزال الظلام موجوداً ، هي تعرف بأن لا احد في المشفى غيرها الان ! هي تريد ان تخبرها بشيءٍ واحد ! اجل عليها ضمان ما سيحدث في اسوء الحالات !

استطاعت التسلل لكونوها بسهولة فاتجهت صوب المشفى لتدخل اليه بهدوء كأنها سارق على وشك السطو على بنوك الحياة !

وقفت بعدها عند باب مكتبها ! تلك الزهرية التي لم تكن تحبها سابقاً ! ولكنها الان افضل الاصدقاء !

لم تطرق الباب بل قاومت السعال ودخلت لتفاجئ الاخرى الجالسة خلف كومة الاوراق بهذا النوع من الوقاحة في الاسلوب

كادت ان توبخ الوافد ولكنها شهقت مفزوعة حالما شاهدت آيـآمي تسعل الدماء وتشهق وتنظر اليها وكأنها تحتضر !

وقفت وهرعت اليها لتعانقها بقوة وهي تصرخ بارتياب وخوف شديدين

- ما الذي حدث لكِ بحق الله ؟! لما تسعلين الدماء ؟! وكيف عدتِ على اية حال ؟!

تريد الاجابة ولكن لا متسع من الوقت لهذا ! عليها ان تخبرها بما اتت من اجله قبل فوات الاوان !

امسكتها من كتفيها وهي ترتجف بألم و ارهاق شديد ، حركت شفتيها بصعوبة وهي تحاول اخراج صوتها رغم الحروق التي في حلقها

قالت بصوتٍ اجشٍ مبحوحٍ ارعب ساكورا

- اسمعيني ساكورا ! إياكِ ومقاطعتي ! انا اتخيل اسوء الحالات ! لذا انا ارجوكِ إن حدث لي اي شيء ! إن مت او ختمت او حتى اختفيت ! ارجوكِ ابذلي ما في وسعك لاجل ساسكي ! اجعليه ينساني ! اجعليه يحبك ! اعطيه العائلة التي يستحيل لي ان اعطيه اياها ! اسعديه واجعليه ينسى بأنه التقاني يوماً ما ! انا لا متسقبل لي معه ! سوف يدمر إن بقي معي ! ابني الاوتشيها معه مجدداً ! ارجوكِ افعلي هذا ! احفظي كلماتي جيداً ! لا استطيع ائتمان ساسكي على غيرك !!

كانت تلك الكلمات كالسم الذي فتك بحياة ساكورا ! لا تستطيع تصديق ما تتفوه به آيـآمي ! ما الذي تفكر فيه هي لا تعلم !

ولكنها بدون ان تشعر تجاهلت كل الكلام وقالت منفعلة

- اصمتي ! دعينا نعالجكِ اولاً ! ارجوكِ آيـآمي دعيني اساعدك !

هزت آيـآمي رأسها بقوة نافية ما تقوله لها ساكورا ، شهقت بقوة الاخيرة وهي تقول بغضب

- مهما قلتِ فلن يقع ساسكي – كون في حبي ابداً ! لن ينساكِ ! هو يحبك اكثر من اي شيء في حياته !!

ابتسامة بلهاء اعتلت ثغر آيـآمي وهي تقول

- اعلم ذلك يا بلهاء ولكن .. الزمن كفيل بأن يخفف من حدة الجراح ! حتى وان لم ينساني فيمكنكِ ان تسعديه ! انا اعلم ذلك ! ابذلي ما في وسعك كي تجعليه ينسى اني وجدتُ يوماً !

تجمعت الدموع في عينيّ ساكورا وهي تحاول كتم عبراتها من السقوط ، تشبثت بآيـآمي بقوة لتردف بضعف

- لا تقولي هذا الكلام !انتِ لن تموتي ابداً ! ستعيشين معنا ونكون جميعاً سعداء !

اتضح الانكسار والتحطم في ابتسامة آيـآمي الغريبة ، اردفت بعدها بهدوء

- احب تخيل الاسوء دائماً ، كذلك انظري لقد طلع الصبح بالفعل !

تركت ساكورا تشبثها بملابس آيـآمي ونظرت إلى النافذة لترى الشمس تعتلي السماء والرياح تحرك اشجار الساكورا في الخارج ! ابتسمت بهدوء رغم دموعها وهي تردف

- هذا صحيح .. اترين الحياة ؟!

اعادت النظر صوب آيـآمي لتراها قد اختفت ! ازدادت دموعها وراحت تجري خارجة من المشفى وهي تحاول اللحاق بها ! كانت تصرخ باسمها بشكلٍ هستيري اخاف باقي الناس في الارجاء !

ولكنها ادركت ! بأن آيـآمي لم تكن تمزح ! هي حقاً تعتقد بأنها ستموت قريباً ! تحيرت فهي لا تعلم ما الذي يجب عليها فعله في هذه الحالات !

وقفت آيـآمي على نافذة مكتب ساسكي تراقبه ! كان نائماً ممكساً بالقلم والهالات السوداء ظاهرة تحت عينيه !

ابتسمت عليه بانكسار لتردد موبخة بسعادة

- احمق ! لطالما قلت لك بأن ترتاح من الاعمال الشاقة !

كم تريد ان تدخل الى الداخل والقاء نفسها في احضانه ولكن هذا مستحيل ! عليها ان تخرجه من هذه المعمعة مهما كلفها الثمن غالياً ، حتى وإن كان حياتها الخاصة !

استطاعت الخروج من الحدود بسرعة رغم التعب والالم في قلبها ، ابتعدت بقدر الامكان قد قصدت مكاناً قصياً عن الحياة

جثت على ركبتيها وانتشلت باندورا من غمده وراحت تنظر اليه بتنفسٍ سريع !

ردتت في قرارتها قائلة

- لا اضمن متى سأعود لهناك ! يجب ان افعلها الان !

امسكت بباندورا بكلتا يديها وطعنت نفسها في منتصف صدرها ! طعنت نفسها بقوة كبيرة جداً مما آلمها بشكلٍ لا يمكن تخيله !

انتشلته بعدها من جسدها ورفعت يدها لتدخلها داخل جسدها محاولة انتزاع شيءٍ ما !

من ناحية اخرى ابلغت ساكورا الجميع ! تم اعلان وجوب جلب آيـآمي الى كونوها بأسرع وقت ! رغم ان الخبر لم يصل لساسكي بعد ! قررت هي الذهاب بنفسها وإعلامه ! سيجن لا محال ولكن لا حل آخر غير ان يعلم بهذا على الفور !

رغم انها لا تزال منكرة للكلام الذي قالته لها في المشفى ! إلا ان قلقلها عليها كان اكبر من ان تهتم حتى بحب حياتها !

- افهمتما ما قتله لكما ؟ آندراس ؟! امدوسياس ؟!

قالتها بنبرة امرٍ ملكية رغم حالتها الصعبة !

انحنى رجلان امام آيـآمي باحترام وتقدير ، وهي تلهث بحدة جعلتهما يقلقلان عليها !

نظر اليها آندراس وهو يردف ببعض البرود

- آيـآمي – ساما ، هل انتِ واثقة من هذا ؟!

الجحوظ في عينيها كان مرعباً ، وقفت مترنحة فقلق الاخر عليها وهي تقول بشكلٍ جديّ

- اجل ! افعلا ذلك في الحالة التي اخبرتكما بها !

- انتِ تأمرين ونحن المنفذين !

قالها امدوسياس باحترام شديد ، هزت رأسها فاختفيا من امام عينيها لتسقط مرة اخرى على الارض وتستيقظ في العالم الوهمي مرة اخرى !




مرّت ساعاتٌ وساعات وهم لا يزالون يبحثون عنها في كل البقاع ! الجميع قلق وخائف

كازو كاد يجن وهو يجوب عالم البشر باحثاً عن اي اثر لها في المكان ! لا يعلم ولكنه يشعر بأحداث باندورا تتكرر امامه الان !

اخوته الباقون منتشرون بين عالم الشياطين وعالم البشر ! وساتان بنفسه يشارك بالبحث في ارجاء عالم الشياطين و نسخة منه تعذب آيـآكا في بعدها الخاص ليحثها على التكلم !

آيريس من جهة اخرى يجوب كل مكان يستطيع الوصول اليه ! كان قلقاً ! يعلم بأن علاقته بـ آيـآمي سطحية ولكنها كانت عميقة كفاية حتى يعتبرها من اعز اصدقائه !

وقف بعد وهلة ليضرب الارض بقوة ويصرخ غاضباً بشكلٍ مرعب

- تباً آيـآمي ! اظهري في الحال !!!

- اكمل البحث بهدوء ايها السنجاب القبيح !!

قالها كازو بغضب على آيريس الذي لا يجيد ضبط اعصابه في هذه الحالات ! هو كذلك يريد الصراخ كالمجنون ولكن هذا لن يساعده على تخطي ما هو فيه مطلقاً

نظر اليه آيريس بحقدٍ حقيقي على غير عادة ليقول بشكلٍ جدي مخيف

- اتظن بأني امزح ! انا احاول جاهداً البحث عنها !

جره كازو من ياقة ملابسه وقال بانفعال ادخل الرعب الى قلب آيريس

- وهل تراني اقلل من شأن ما تفعله ؟! جلّ ما قلته هو اكمال البحث ! لا تفسر كلامي على هواك !

استطاع آيريس ان يراه في عيني كازو ، الانكسار .. الخوف .. القلق ! لأول مرة يراه مشوشاً بهذا الشكل الذي حيره اكثر من اي شيء قد حدث مع كازو من قبل !

تركه كازو والتفت ليغطي شعره ملامحه وهو يضع يده على وجهه وصوت اصطكاك اسنانه واضح ! حتى انه يرتجف بخوف على آيـآمي !

لا يريد ان يتكرر ما حدث لباندورا ... لا يريد ان يتكرر ما حدث لثيلوميوس ! لا يريد ان يفقد سبب حياته !

هو مستعد لتقبل اي خسارة ! مهمن كان .. إلا هي ! هي وحسب عليها ان تعيش ! عليها ان لا تصبح مثله ابداً !!

رفع رأسه بعيون منكسرة ، نظر لآيريس وقال بتعب واضح

- هيا نكمل ! لابد ان تكون هنا في مكانٍ ما ! لن اسمح لها ان تذهب ضحية لما يحدث ابداً !

هز آيريس رأسه واردف بندم على ما فعله

- اعلم ذلك ايها الاحمق ! سنجدها بلا ريب !!

هز كازو رأسه ، راحا يقفزان على الشجر تارة ويركضان على الارض تارة ! يرجوان ان لا يحدث الاسوء !

خاصةً كازو ! فأخوته لا يعلمون ان لديهم شقيقاً يدعى باندورا حتى ! سيكون امراً مرعباً ان يتكرر ما حدث له على مرأى من اعينهم ويضطر بعدها لتفسير الامر لهم !

ساتان كان يقف على الجبل الاسود ! الذي يعتبر قلب عالم الشياطين النابض ، عيناه الحمراوتان تجوبان انحاء العالم بسرعة باحثاً عنها !

الحراس الملكيون انتشروا في كل مكان يبحثون عنها ! مما سبب الرعب للسكان الذي لا يعلمون بأي شيء مما يحدث حالياً

شدّ ساتان على شفتيه ليردد في نفسه قائلاً

- آيـآكا .. ! نواياكِ لن تخفى عني ! وموتك لن يكون بعيداً ايتها الحقيرة !

عرفت بأنه قد قال شيئاً ساخراً منها وهي تطفو في الجو ونسخته تجرها من شعرها والدماء قد اضرجت جسدها بشكلٍ تام !

حطم يديها ! قدميها ! حتى انه سممها بسمٍ المه لا يحتمل ! هو يعرف نقاط ضعفها ! ولكنه لن يلجأ لطرقٍ حقيرة إلا حين يحتاجها حقاً !

تبتسم رغم سيل الدماء الذي سال على فمها ! تلهثّ بشدة وهو يواكب ضربها بكل ما اوتي من قوة ! هي تعلم بأنها مجرد نسخة ولكنها تجيد الضرب حقاً !

قال لها مجدداً بجبروته المرعب

- اخبريني اين هي آيـآمي ؟! لما لا نستطيع ايجادها !

قهقهت بشكل اغاض ساتان رغم ضعف صوتها ، اجابته بعدها بسخرية

- مكانها في نقطة على خريطة العالم ! اما عدم قدرتكم على ايجادها فبسبب تقنية خاصة اجريتها عليها !

رفع احد حاجبيه ! لم تعجبه الاجابة ولم ترضي ما يرمي اليه ، ترك شعرها فشعرت بأن الصداع يوشك على شطره لنصفين !

ظنت بأنه سيذهب ولكنه التفت اليها فجأة وعانقها بشكلٍ غريب ! رغم ما فعله بها إلا انها احمّرت خجلاً وهي تشعر بقلبه النابض !

ارتبكت فهي لم تتوقع هذا الفعل منه مطلقاً ! رغم ان ابتسامة مرعبة اعتلت شفتيه لم تستطع ان تراها !

همس في اذنها بعبارة بصوته المرعب الذي سبب لها الكوابيس

- انا لا امانع حقاً في اعادة روح باندورا ! ومن ثم تعذيبه امام ناظريكِ ! سأعذبه بأبشع الطرق واشوه وجهه الذي تحبينه ! سوف ارسله للجحيم و سترين بأني حقيرٌ ان تطلب الامر !

فزعت ! فقد ضرب الوتر الحساس بالنسبة لها ! اتضح الفزع على عينيها وهي تحاول ان ترى ملامحه !

واذا بها ترى عينيه الزرقاوات الحادة التي احاطها السواد والتمعت فيها شرارة حمراء ! ترافقها ابتسامة اتضحت فيها انيابه الساغبة للدماء !

لقد رأت فيه تجسيد الظلمة ! ساتان هو الظلمة بنفسها ! دفعته بقوة وابتسامة المجنونة السفاحة لا تزال على ثغره !

وهو يقهقه بشكل جعلها ترتجف بشكل هستيري ! تراجعت الى الخلف محاولة الهرب إلا انه امسكها مجدداً من شعرها وصوت ضحكاته قد ارتها معنى الرعب الحقيقي !

عرفت بأنه سيقتلها ! تعرف ذلك ! لا ! لن تموت الان ! لا تريد ان تفقد حياتها الان !!!

صرخت والدموع تسقط من عينيها من الخوف

- سأقول لك اين هي ! سأقول !!!!

توقف ساتان عن الضحك ! واضحت ملامحه باردة جداً وكأنما هو اعاد ارتداء قناع الموت مجدداً ! اما هي فقد توعدته في داخلها !

قد يكون انتصر الان ! ولكن خطتها ستكتمل حتى وان عرف مكان آيـآمي ! ترك شعرها وقال ببروده

- اين هي ؟!

اراشي وكاريو من جهة اخرى وقفا على اطلال مدينة كانا يعرفانها جيداً ! وقد كانت مفعمة بالحياة في اليوم السابق وحسب !

يبدو وكأن عالم الشياطين كذلك لم يسلم من سلاسل الموت الخاصة بـ آيـآمي ! ضاقت عينا اراشي وهو يقول بحسرة

- تشيبي – شان ! ارجوكِ عودي الينا !!

ربما تكون هذه المرة الاولى التي تظهر فيها ملامح الحزن على وجه كاريو ثابت المشاعر ، راح ينظر يمنة ويسرة للمدينة المدمرة والجثث المقطعة ، فاردف بغصة

- دماء – شان لن تسامح نفسها حالما تدرك ما فعلته ! قد تقتل نفسها حتى !

وقف اراشي بعدما شمّ آثار الرماد على الارض ، ضاقت عيناه بحزن اكثر من سابقه وقال

- لقد غادرت عالم الشياطين ! انها في عالم البشر !!

عادت ملامح كاريو جامدة غير مبالية ، اردف بعدها ببرود

- اذا علينا ان نتجه لعالم البشر !

تشيتوسي ، هيرو و جيراهيم كانوا في عالم البشر ! لا يعرفون وجهتهم ولكنهم يأملون خيراً !

دانتاليون جمع جيوشه الخاصة بأقتفاء الاثر و ارسلهم في العالمين وقرر الانضمام لكازو وايريس !

ولكنهم جميعاً توقفوا حينما صدع صوت والدهم في عقولهم وهو يقول

- سنتجه لعالم البشر الان ! قابلوني هناك ! عليّ ان ارتدي قلادة الحرب الخاصة بي !!

جميعهم ظهرت الجدّية على وجوههم ! اتجهوا الى نقطة يعرفونها جيداً وقرروا ان تكون نقطة التجمع الخاصة بهم !

اما ساتان فقد ظهر فجأة في غرفته وامسك بصندوق كان على الطاولة وفتحه ! ليخرج قلادة فضية على شاكلة دائرة تتوسطها نجمة نقش عليها عبارة قديمة !

ارتداها ! وقرر الذهاب لعالم البشر الان ! فهذه القلادة كفيلة بحماية عالم البشر من الدمار على يد قوى ساتان !




فتحت عينيها بصعوبة بالغة وهي تشعر بثقلهما على رموشها الضعيفة ! تشعر بأن حجراً يزن طناً يمنعها من الحركة !

نظرت لجانبها فوجدت باندورا معقود الحاجبين متعرق الجبين بجانبها ! ادركت بأنه يتألم كذلك كما هي تتألم !

ترجلت من الفراش وقامت بتغطيته قبل ان تخرج من الغرفة ، تريد استنشاق بعض الهواء النقي ! فهي قد اقدمت على فعلٍ متهور في عالم البشر ! ولكن لم يكن لديها حلٌ آخر !

خرجت الى سطح القصر الكبير وراحت تراقب القمر القرمزي الملعون ، منتصف الشهر هو يومٌ خاص يخرج فيه مصاصوا الدماء لصيد من يحبونه من البشر والنينجا !

هي لم تحب هذا ! تذكرت كذلك امراً غريباً ! باندورا ثابتٌ على شكله العادي ولم يتغير لشكله الاخر ابداً ! ربما من الافضل ان يبقى على هذا الحال !

لم تشعر بمن وقف خلفها دون اي حراك ، حتى شعرت بأصابعٍ تلامس يدها المرتعشة من البرد ، التفت بعينين متسعتين لتتقابلا مع عيونه الليلكية الجميلة

امسك برسغها في لحظة استدارتها وهو ينظر اليها بتمعن ، لم تفهم ما يفعله ولكن كل ما شعرت به كان تلك الضربة على رقبتها مما افقدها الوعي في حضنه !

فتحت عينيها بعد بضعة ساعات لتجد نفسها في فراشٍ فاخر اسود ! الغرفة ذات الديكور الازرق المائل للسواد قد جعلها تدرك بأن هذه غرفة ساسكي لا محال !

خرجت من الغرفة بعدما ترجلت من الفراش ، القصر مختلف ! اسودٌ وبارد الممرات ! ميت ولا حياة فيه ! كئيب وكأنما الاشباح تسير في اروقته ليلاً لتبكي بحسرة على ما حل بها !

اقشعر بدنها من هذا المكان الذي لم يعد مألوفاً لها اصلاً ، ولكنها اكملت السير متعجبة مما حدث لها على سطح قصرهم !

تنهدت وهي تسير الى ان استوقفها صوتٌ تعرفه جيداً

- آيـآمي – ساما !

التفتت فوجدته امامها بابتسامة هادئة ، يرتدي لباس كبار الخدم ويسرح شعره بنفس التسريحة الاعتيادية

رددت بغير تصديق

- ايتاتشي !! لما انت هنا ؟!

تعجب منها ! وردد متسائلاً

- لا يخفى عليكِ شيء ؟! امرٌ مذهل ان تعرفي اسمي ! اوه وانا كبير خدم قصر ساتان – ساما !

ظهر التعجب على وجهها وكذلك الحيرة ، انتبه على ذلك وقال لها بهدوء

- ارجو ان تتبعيني آيـآمي – ساما !

تبعته الى حيث قادها ! فدخلت الى غرفة كرستالية الجدرن ، توسطتها بحيرة ضخمة بنيت حولها الجدران ، مياهها زرقاء مائلة للخضرة وانعكاس الجدران الكرستالية عليها كان بديعاً بمعنى الكلمة !

توقفت ترمق المكان بهدوء شديد لا تعرف من اين جلبته ، التفتت بشعرها القصير لتجد ساتان امامها واقفاً بنظرات الباردة

تقدم منها بخطواتٍ وئيدة مما جعل قلبها ينتفض خجلاً من نظراته الحارقة تجاهها ، حاولت التراجع ولكنه امسك يدها وقربها اليه بهدوءٍ شديد حتى امسك بخصرها وهو يقبل كفها بلا اي كلمة !

ازدادت احمراراً ، لم تعرف كيف تتصرف معه ! منحرفٌ حتى كملك الشياطين !

ولكن العجيب انها وجدت نفسها جالسة وسط البركة ! وقد كان رأس ساتان على قدميها وهي تمسح على شعره بهدوء !

ريثما المياه تغطي جسد ساتان تماماً وتجعله يشعر براحة لا يشعر بها إلا هنا ! التفتت آيـآمي ناحية ايتاتشي الواقف بابتسامة هادئة واردفت متسائلة

- ايتاتشي ، هل يمكنك ان تفسر الوضع ؟! ما علاقي بساتان ؟!

بدى وكأنه تفاجئ للحظة ولكنه ابتسم بعدها وقال بهدوء وهو يضع يده على صدره

- نسيتُ بأن سيف ريو يعبث بذكرياتكِ ! لا عجب بأنكِ لا تتذكرين لقائك بساتان – ساما !

رمشت عدة مرات متعجبة ، اكمل هو بنفس الهدوء والابتسامة

- لقائك بساتان – ساما يعود لثماني عشرة عاماً ، حينما كنتِ في الرابعة من عمرك ! الابنة الوحيدة للملك العظيم آلون ، الاميرة التي اشتهرت بجمالها و ذكائها وهدوئها ! لم تكن كباقي الاطفال ! كانت مختلفة والجميع اشاد بذلك ! ولكن ما لم يعرفوه هو كونها سفاحة مهووسة بالدماء في نفس الوقت ! على اية حال في يومٍ ما ...

فلاش باك

التهويدة الهادئة التي تغنيها فتاة على سطح احد البيوت وسط النيران والجثث المتساقطة بلا حياة !

ساتان بجيوشه العظيمة يسير مدمراً كل شيء ! غير آبه بما في طريقه ! فقط يريد رؤية الدماء والموت حتى يشعر بأنه حيٌّ موجود !

ولكن منظراً غريباً استوقفه ، فتاة صغيرة تحمل سيفاً لطخ بالدماء كما وجهها ، التفت ناحية بعيون ميتة من المشاعر وهي تقف بالقرب من جهة وتحمل قلباً دامياً بيدها الاخرى

لمعت عيون ساتان الحمراء وقد شعر بأن قتله لهذه الطفلة سيكون شيئاً رائعاً ، حرك سيفه نحوها آملاً ان يرى نظرات الخوف والرغبة في التمسك بالحياة في عينيها

ولكنه توقف ! حالما لم تتغير ملامحها وكأنما هي لا تخاف الموت ولا تهابه ! اتسعت عيناه بعض الشيء وهو يردد بجبروت مرعب

- الا تخافين يا فتاة ؟!

ثبت ساتان سيفه في الارض وانحنى ليمعن النظر في عينيّ الطفلة الخافتة من المشاعر ، ولكن عينيها الزرقاوات حالما اصطدمتا بعينيه الحمراوات حتى عادت المشاعر اليهما !

ظهر الحزن على وجهها وانكسرت نظراتها ناحيته وكأنما هي نظرت لما يخفيه في قلبه من مشاعر دفينة !

على حين غرة ، احاطت بيديها الملطختين بالدماء وجهه فتفاجئ من فعلها ! ولكن اكثر ما فاجئه كان قولها بحزن

- لما ؟! لما انت محطم كالمرايا ؟! لما تجرح كل من يحاول مساعدتك ؟ لما لا تشعر بالحياة !

اتسعت عيناه ! لأول مرة يعرف شخصٌ ما يفكر به ! استطاعت هذه الطفلة النظر الى قلبه ! عرفت مشاعره التي تؤلمه اكثر من اي شيء آخر !

هي قد فهمته ! رغم كون هذا هو اللقاء الاول ! عادت عيناه باردتين ووقف مجدداً ونظر اليها بشكل قاسٍ ليسألها

- ما اسمك يا طفلة ؟!

ابتسمت له ابتسامة بديعة ! حركت مشاعراً لم يصدق بوجودها داخله ! اردفت بعدها بهدوء

- آيـآمي ، كاتسوراجي آيـآمي !

نهاية الفلاش باك

اكمل ايتاتشي حكايته بابتسامة اوسع وهو يقول

- منذ ذلك اليوم ، ساتان – ساما اصبح مهووساً بك ! لقد جعلتي مشاعراً جميلة تتحرك داخله ! انتي تفهمينه اكثر من اي شخصٍ في الحياة ! ولكنه كان مصدوماً حين عرفتي اسمه الاخر ! قال لي بأنه لم يخبركِ به فكيف عرفتيه ؟!

وجدت انه من الصعب اخباره بالحقيقة ، لذا ماطلت وهي تقول

- وما حكاية هذه البحيرة اذا ؟!

اختفت الابتسامة من وجه ايتاتشي وهو يلتفت سائراً بضعة خطوات وتيرة ليرد عليها بهدوء

- ساتان – ساما لا ينام ! لا يحتاج النوم ! لذا فهو واعٍ على الدوام ! ولكنه منذ ان التقاكِ اراد ان يرى الاحلام ! ان يشعر بها وان يعرفها ! لذا صنع هذه البحيرة التي تسمح له بالنوم حالما تمس مياهها جسده ، انا متأكد من انه يحلم بكِ دائماً ! لاني لم ارى ساتان – ساما يبتسم ابتسامة غاية في الجمال إلا حينما يفكر بكِ ! انتِ كل شيء بالنسبة له !

اتسعت عيناها واعادت النظر الى وجه ساسكي النائم بهدوء ، كانت اصابع يديهما مشبوكة ببعضها ! فزدادت من الضغط عليها بألم وهي تمسح على شعره بهدوء

دنت منه وقبلت جبينه وقد سقطت دمعة منكسرة من عينها على وجهه ! لا احد يعلم مقدار حبها له ! لا احد سيعلم ! هي لا تريد خسرانه ولكن القدر يقف ضدهما في النهاية !

رفعت رأسها الى السماء وهي تبكي بابتسامة متحسرة منكسرة ! ترجو ان لا تنتهي بموتها وفقدانها لقرب من تحبه اكثر من نفسها !




قادهم ساتان ناحية آيـآمي بعدما استخرج المعلومة من بين فكيّ آيـآكا التي خافت منه بشكلٍ كبير

وقفوا جميعاً حالما شاهدوها واقفة وظهرها موجهٌ الى وجووهم ! ابتسموا عدى كازو وساتان اللذين عرفا المشاكل من رائحة الدماء المنبعثة من ناحيتها !

انتبهوا على ذلك التمثال الضخم الماثل امامها ! تمثال الراهبة التي تحمل وعاءاً قد فاض من الدماء ! بالطبع قتلت كثيراً من الناس لجمع هذه الكمية من الدماء !

التفتت اليهم وقد لمع ضوءٌ ابيض على عنق التمثال ! الارواح التي جمعتها تشكلت على هيئة عقدٍ من اللؤلؤ احاط عنق الراهبة الحجرية !

نظر ساتان الى عينيّ آيـآمي الخاويتين وقال ببرود

- ستعودين مجدداً ! لن اسمح بفنائك !

ما تعجبوا منه كان الشق الذي حدث في الفضاء ! الهواء تصدع مشروخاً وكأنما هو بوابة ! اتسع الشرخ فخرجت ام المشاكل منه تبتسم بخبث وهي تقول

- دعنا نرى كيف ستسعيدها !

امسكت آيـآكا بباندورا وبحركة سريعة طعنت آيـآمي متصلبة الوجه في قلبها ! فسال خط دمٍ احمر من فمها وسقطت بين يدي آيـآكا التي تقهقه على نظرات ساتان المصدومة والمفجوعة !

هنا عادت الذكريات بكازو إلى زمنٍ بعيد ! لذلك الزمن الذي كان فيه باندورا حياً !

 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق