الثلاثاء، 1 يوليو 2014

الفصل الحادي والعشرون : (دخان : لا مكان للحياة !)





الفصل الحادي والعشرون : (دخان : لا مكان للحياة !)









وهل لي بأمنية اخيرة قبل فوات الحياة ؟

متسربلة خطايا وذنوب القدماء

أتراني مجحفة في حق الاحياء

ام ليّ عليهم دين السماوات ؟!

ألا يحق لي بنفسٍ أخير اروي به عطش رئتي ؟!

ألا يحق لي برؤية الشمس لمرة قبل ان احتضن الظلام ؟!

أم انك ترآني وحشاً فقط ولست حتى بأنسان ؟!

لما علي أن احتمل دمائك في فمي والشعور بذلك الحرمان ؟!

متأصصة بها ومترامية على اطرف مجتمعٍ خبيث

تلك النوايا التي رأيتها في اعين الجميع

رماديٌ هو العالم الذي اختير لي

لأسير فيه ومن غيري في هذا الطريق وحيد ؟!

هل لي بكلمة اقولها قبل الممات ؟!

ام ان حبل المشنقة حول رقبتي مجرد إثبات

لكوني حقيرة وسط حشود النبلاء !

كوني هجينة وسط هؤلاء الانقياء ؟!

لذا دعني اصرخ بها .. دعني اعلن عنها !

ثورتي التي ستصبغ السماء بالاحمرار

رغبتي التي ستقود جيوش السماء

حلمي الذي نُهب مني في أيام السواد

لذا اسمعها مني قبيلما اخرج من هذا الجسد دون فرار

سأكون الشخص الذي يقتلك !

سأعود لك في ليلة المنام الاخير !


~


شعورٌ غريب ، دماءٌ متدفقة وسيفٌ اسود يخترق قلباً نابضاً

استيلاء الوجل على من كانَ يقفُ هناك متأملاً الموقف دون حراك ، ومقل الاعين لا تزال ترتجف عدا تلك التي شعّت ببريق الغضب المرعب

لتستل السيف من القلب النابض وتتفادى ملاحقات اعينهم لها ،

فسقط ذلك الجسد بين يديها مترنحاً بلا ادراك او وعيٍ يثبت ان ما حياة فارقته قبيل لحظات ، دون التجعد بين حاجبيها

لكان الجميع ظنها ميتة ، الاخرى بحركة سريعة وضعتها جانباً حتى تضمن أن لا تتأذى وقد تبسمت حتى شعر الواقفون بالسخط من هذه المتزمتة اللاهية بنفسها !

وقفت منتصبة و بريق النصر قد جلس العرش في عينيها ،ولكن قلبها ارتجف قليلاً وهي تدرك بهتان عينيّ ساتان الغريب وكأنما هو لم يهتم بما فعلته لتوها !

عجيبٌ امره !

رددتها في نفسها بمرارة ، حتى ان نبرتها حملت بعض الحسرة التي كادت تكشف نواياها الدفينة !

واذا بها تشّد على قبضتها عازمة ، فتفادي الخسائر الكبيرة بحكمة هو ما تريده الان وإلا فإن كل شيء سيفسد ، لن تسمح لسلالة ساتان من الرجال ان تفسد مخططات احلامها الوردية

ففي النهاية هي قد قضت نحباً من الزمن تنتظر الفرج والنور في نهاية ظلامها النفقيّ !

إلا ان ما لم تتوقعه هو تلك التنهيدة الهادئة التي اُطلقت من بين فكيّ ساتان الذي فتح عينيه بملل شديد !

ذلك الملل الذي يسيطر عليه ويفقده الرغبة في فعل أي شيء ، تحول الاحوال على مرّ الزمان وغرابة في تكوينه لم يصل اليها من عاش دهراً من الزمان معه !

ضاقت عيناها – بشكلٍ او بآخر – وهي تشاهد تحركاته المريبة ، حينما قام بحك مؤخرة رأسه كالطفل الذي ملّ من اللعب فظهرت ملامح بلهاء على وجهه المهيب

- لستُ ارى حرباً تقوم على بلهاء مات عقلها منذ دهور !

قالها بنية فكّ اغلال غضبها وتحرير كل تسرعاتها حتى يضمن الفوز على من تحكمها مشاعرها

قد تكون بداية خيوط خطته قد نجحت حينما غضبت بشكلٍ واضح وصرخت بزمجرة وحوش ارعبت ابنائه الستة

عدا الذي كان واقفاً بصمت ينبش في قبرٍ كان قد وضعه في مؤخرة قلبه ، يحفظ ذكرياتٍ اراد ابعادها ،

عن زمنٍ كان بالنسبة له كل ما حلم فيه ، كل ما بنى الرجل الذي هو عليه هذا اليوم !

ذكرياته عن باندورا ، الذي قضى نحبه دون ان يعرف باقي اخوته بوجوده !

فلاش باك

قبل آلالاف السنوات

بصمتٍ ظنه ساكنوا القّصر ازلياً هو الرخاء بعينه متلذذاً براحة وهدوءٍ لم تكن معهودة في انفسٍ ذاقت الويل من تخطيطات القدر ،

تحديات استنبطتها عقولهم بتغرير على مدى الكذب الواسع وتحويل غريب لما ظنه الآخرون سراباً حتى غدى الواقع الذي يفتحون اعينهم عليه

تحولٌ في مجرى الاحداث وكأنما النهر الجاري ليس إلا جزءاً من خطة بناها المجهول على لحظة ملل ، تلك المشاعر المتدفقة بين الجدران الحجرية التي ما بانّ اثر الحياة فيها بعد

وجلهُ كان لأول مرة واضحاً على وجهه وهو يهرع صوب صوت صراخها الذي لا يمثّل إلا الموت وحسب ، تعود على هذا الصراخ منها منذ بداية حملها بأبنه الاول ولكنه اصبحَ اكثر وتيرة ورعباً

فتح الباب على مصراعيه يصرخ باسمها فزعاً مما يحدث لها

- آيـآكا !!!!

التفتت إليه غاضبة متفجرة السخط على كُل شيء حتى أنها ارسلت موجة من الطاقة جرحت وجنته اليسرى فسال الدم منها مدراراً

يلهثُ هو حاله الذي كان عليه مستنداً بيدٍ واحدة على الباب وخصلات شعره غطت جانبه الايمن فما كانت غير عينه اليسى المفزوعة ظاهرة للعيان

تمعّن حالها ، الجحوظ في عينيها ، الهالات السوداء ، شعرها المبعثر الاشعث والعرق الذي يُمطر على وجهها تشّدُ على بطنها بقوة ماطّة شفتيها بعنف

هدأت ملامحه بعض الشيء إلا أن الخوف والقلق عليها لا يزال يملع في عينيه ظاهراً ، اقترب منها بعض الشيء فصرخت بجنون اربكه

- ابتعد !! لا تقترب مني !!!

تشنجٌ في جسدها جعلها تصرخُ مرة اخرى بألمٍ لا يحتمل ،ضمت نفسها بيديها تستشعر الطفل الذي يمتص الحياة من احشائها

تشعر به ، تعرف نوايا تلك المقل الحمراء التي تراها في منامها وكوابيسها وحتى يقظتها ! رغبة طفلها في سفك دمائها وامتصاص روحها والحياة التي تحتويها

الحرقة والنيران المتأججة داخلها وكأنما هي القيت في الدرك السابع من الجحيم !

تمالكت نفسها ، وقفت وخطٌ من الدماء على فمها ، كانت مرهقة بشكلٍ لم يسبق أن كانت عليه ، ناحية ساتان نظرت بضعف وقد تملكها الخدر والخمول حتى فقدت الشعور بالوعي حولها وكادت تسقط على الارض لولم يمسكها بين يديه ويضمها بقوة و طاقته الزرقاء العلاجية تحيط بجسدها مخففة ما تشعر به من آلام

بين ذراعيه حملها بخفة وفوق الفراش وضعها وبدأ بترتيب شعرها بصمتٍ يخفي خلفه ما لا يمكن تصوره من الترقب والقلق !

لم يكنّ يتوقع ان انجابه لطفلٍ يعني تعذيبها ، لو كان يعلم لما كان وافق على طلبها حينما قالت له بأنها تريد طفلاً !

تنهّد وأي الم يختفي خلف تنهيدة صادرة من اعماق مشاعره ؟!

اقترب وقت الولادة في آخر المطاف وهذا ما زاد آلامها اكثر واكثر من السابق ، اصبحت تمقته وتمقت الجميع من حولها ، تريد ان ينتهي الالم وشعورها بالخوف من أن يقتلها طفلها في أي لحظة في منامها او صحوتها !

في ليلةٍ ما كانت نائمة ، في اعماق الظلام الذي احتضنها في رحمه متستتراً خلف رؤية باردة المحيا ومتجمدة الشعور ، فهي كالطفلة الخائفة كانت ، تريد مكاناً تلتجأ اليه من مخاوفها التي ما انفكت تبثّ الحياة في نفسها فتلاحقها في كل مكان عازمة على افنائها !

ارهاقها في تلك الليلة كان الاعظم على مرّ الشهور التسعة ، حتى ان الملامح في عينيها كادت تختفي والهالات السوداء اصبحت معتادة على وجهها

لم تكنّ تحلم ولم ترى في منامها إلا الظلام وهي مستلقية فيه ضامة يديها كالأموات في التوابيت ، كلُ ما سمعته هو صوت قطرات الماء المتساقطة على بركة صغيرة متجمعة ، القطرات الرمادية التي اجبرتها على فتح عينيها وقلبها لأستقبال الظلمة المطلقة !

لم تدرك اين كانت او اين ستكون ، الصمت والرهبة اجتمعا في لوحة من السواد اعمى بصيرتها والترقب لما خلف ستارة القدر كان كُل ما تستطيع القيام به

على وتيرة بطيئة بدأت معالم المكان بالإتضاح تدريجياً حتى ادركتْ صوت الرياح تهدر وتخور من حولها ، شعور الرمال التي كانت تستلقي عليها آلم ظهرها فأجبرها على الوقوف تنظر إلى السماء السوداء والرمال الرمادية اللا منتهية

خمولٌ هو شعورها ورغبة بإغلاق عينيها والعودة للنوم الابدي هو كل ما ارادته في تلك اللحظات ، إلا ان لمعاناً امر جذبها من بعيد ، شيء ما ، همسٌ متداخل الاصوات اخبرها بالسير ناحيته

فانصاعت مُكرهة لهذا الخيط المتين ، خطواتها متقطعة فمسيرها على الرمال صعبٌ ، رغم اندهاشها لأنها لم تكن حاملاً في هذا الحلم إلا ان هذا اراحها – و إن كرهته – فهي لم تعد تشعر برغبة طفلها بقتلها !

توقفت على بضعة فراسخ بعداً عن الكيان الجالس على حافة منحدر يرمق ما اسفل الهاوية بابتسامة ميتة ارعبتها و سببت رعشة انتفضت كل خلاياها على اثرها

قميصه الابيض الملطخ بالدماء وكذلك وجهه ، بنطاله الاسود والسيف المظلم الذي يحمله بين يديه ريثما يهمهم بتهويدة ما ليهّدئ الطفل الرضيع بين يديه رغم صمته الغريب !

ضاقت عيناها وهو يقف ويلتفت لها بنفس الابتسامة والهدوء ، للحظة واحدة شاهدت فيه ساتان نفسه ! الشعر الاشقر والعينان الزرقاوتان ، حتى ملامحه ، إلا انها شاهدت بعض الاختلافات مما اثار الريبة اكثر في نفسها !

شاهدت سائلاً احمر يتدفق من جسد الطفل الهادئ الذي يحمله فأمعنت النظر اليه ، فكانت الصدمة التي اعترتها قد قززتها وارادت ان تتقيأ على اثرها ! فالطفل مقطع الاطراف ! مفقوء الاعينّ ! وبلا لسان !

تراجعت إلى الخلف بضعة خطواتٍ تستر فاهها بيدها ، ريثما الآخر التفت والقى بالطفل من سفح المنحدر بلا تردد ، اعاد النظر اليها ، اتسعت ابتسامته وبهت لون عينيه اكثر فأراد استحثاثها على التفّهم

- تعالي و أنظري لما صنعته يداي ، انا متأكد من اعجابكِ به !

ترددت ، ومن لا يتردد في هذه المواقف ؟! ، جرّت اقدامها جراً حتى ابتعدت عنه خطوتين فألقت نظرة طويلة متقززة مصدومة مما شاهدته اسفل هذا المنحدر الدموي ! سقطت على ركبتيها تشهق بخفيض الصوت المصدوم

بحرٌ كامل من الدماء على امتداد خطِ الافق ، تطفو على سطحه جثث مشوهة ، منكلة و مقطعة ! منظرٌ بشع تدمي له القلوب ، الرضع كذلك لم يُرحموا ولم تقدم لهم الشفقة على ظلال طفولتهم وبرائتهم المسلوبة !

نظرت اليه بلا تصديق ، انكار وتقزز ورغبة في قتله ! اشادت بما فعله بكلمات محتقرة لكيانه

- وهل الحرب التي شننتها وسلبت فيها الارواح جديرة بهذه اللوحة البشعة ؟!

قهقه بصوتٍ خفيض ، استدار ناصية حدبٍ آخر مقابل لعينيه الباهتتين ، اخافتها في تلك اللحظة امتعته وتلذذ بها مقهقهاً

- ظلمٌ ان تنسبي الاتهام كله لي وحديّ ، فأنا لدي شريكٌ كان اكثر دموية منيّ !

نظراته الهادئة التي لم تكنّ تنظر لها جذبتها بشكلٍ ما كيّ تعرف لما هو ينظر فخوراً ! فوقفت بارتجاف في مفاصلها ترنو إلى حيث يرنو كذلك

اتسعت بعض الشيء حدقتيها على امتدادِ حقلٍ لم تره قبيل وفودها إلى هنا ، زهورُ الكاميليا الحمراء كونت حقلاً صغيراً على حافة العالم المظلم هذا ، مساحة خضراءُ احاطته وشلالٌ شاذٌ منظره كان يصبُ في بحيرة صغيرة !

وعلى جانبيّ الشلال جبلٌ بني كان معبره الخاص لهذه اللوحة التي شدّت عنه مضمون ومحتوى العالم ، ولكن ما جذبها هو التابوت الاسود المفتوح غطائه الذي حمل لوحة لتنين اسود احاطته زهرة حمراء شائكة والتنين يبكي بحرقة عجيبة !

داخل التابوت الذي امتلأ بالزهور البيضاء كانت نائمة بثوبٍ اسود فيكتوري ، بين يديها المضمومتين خنجرٌ ذهبي ! وطوقٌ على رقبتها البيضاء مظلمٌ بسواده تتدلى منه حلية ذهبية تشكلت بهيئة صليبٍ تمقته الشياطين !

ارادت ان تفهم الشبه بين تلك الفتاة الشابّة النائمة في سباتٍ عميق وشقيقها ساتان ! ما بال الناس من حولها لهم نفس ملامح شقيقها !

كانت تبدو كملاكٍ حاد عن سبيله واتى للشيطانية طواعية فأراد سفك دماء الوجود من الحياة ! ، اقترب هو منها وجلس على احدى ركبتيه حاملاً خصلاتِ من شعرها بخفوتِ مشاعره مرائياً جريمته البشعة

- اترين إلى اختي هنا ؟! هي شريكتي ومثيلتي في غياهب روحنا ! اتظنين انه من السهل اننا ولدنها كوحوش كاسرة وجُب دحضها من قبل العالم ! ولكن اختي هنا فعلت ما لم اقدر على فعله ! تخّلت عن روحها ، قررت ان ترميّ نفسها في النسيّان حتى تعودَ يوماً بجيش جرارٍ يدمر العوالم قاطبة !

- جيشٌ جرار ؟!

قالتها متفاجئة متسائلة عما يدور بخلد هذا الفتى الغريب ، تلاشت ابتسامته واعاد النظر اليها غاضبها بلا سبب ، وقف يصرخُ بابتسامة ملؤها السخط والحقد والدمار

- اجل جيوش الجحيم ! الشياطين السود الذين اشادت الاساطير بهم ! الشياطين الذين تجردوا حتى من الشيطانية فغدوا وحوشاً بلا شفقة ! بلا رحمة وبلا عقل تنتظر اوامر سيدها وحسب ! تلك الجيوش التي ارسلها ساتان للجحيم حتى تسلم العوالم من براثنها السامة ! ستعود ! اجل ستعود وتدمر أمل البشرية والشيطانية وكل شيء ! اتفهمين يا والدتي ؟! انا وهي من سندمر الكون يوماً ما !!

الخوف الذي ساد جسدها وروحها التي شاخت منه ، تلك الكلمات التي حطّت على مسامعها دون سابقِ إنذار ، الانذار والتحذير قبيل الدمار هو ما يحقق الدمار في النهاية

عرفت أي نوعٍ من الشياطين يتحدث عنه ! المسوخ الشيطانية ، عديمة الروح ! تكونت بفعل سخط ساتان حالما دخل في تلك الحالة المرعبة المفنية لكل ما حوله !

أرسلها للجحيم بعدها مُختاراً حالما عرف استحالة فهم منطقها ، ولكنه يعرف بشأنها ! لحظة .. هل قال والدتي ؟!

شهقت بصدمة وخوف وانكار ! تجمعّت الدموع في عينيها وراحت تبكي بحرقة تصرخ مفجوعة بما قاله لها

- كذب ! كذب ! أنت لستَ ابني ! لستَ ابني باندورا ! كلا ! كلا !!!

- باندورا ؟! هذا هو اسمي اذا !

رددها بابتسامة خبيثة مخيفة توجس منها الاعين خيفة ، اقترب ببطء من والدته وهو يستّل السيف الاسود من غمده ضاحكاً وكأنما ما سيقدمُ عليه عملٌ كوميدي اصيل !

توقف قبالتها وبلا اي تردد او رأفه طعنها في قلبها مخترقاً اضلعها التي ينبض فيها ذلك القلب المثقل بالهموم ، همس في اذنها محاولاً سبر اغوار نفسه

- سأكون الشخص الذي يفتك بهذا الجسد ، سأحيله لرماد بناري ولظاها و انتزع الحياة من عروقك !

جلّ ما ادركته حين فتحت عينيها صارخة بحرقة هو أن موعد الولادة قد حلّ ، كانت تصرخ وتحاول استنشاق الهواء في نفس الوقت !

تجمعت الخادمات في غرفتها وراحوا يعدون للوقت المنتظر ، ولادة اول ابناء ملك الشياطين ساتان !

كان هو واقفاً في الخارج يعض اصبعه قلقاً على حالها وحال المولود ، صراخها قد هزّ كيانه وجعله يتألم لما يحدث لها !

ولكن في النهاية الترقب هو كل ما يستطيع فعله الان ، الباقي على الوقت والقدر وحسب !

رغم ان عدة ساعات من الصراخ قد مرتّ إلا ان اكثر ما ارعبه هو الصمت في الساعة الاخيرة ، الصمت الذي تلا العاصفة ، الهدوء الذي يجعلك تسمع صوت تنفسك وحسب !

ذاك النوع المرعب من الهدوء ، هو ما ساد الجو طواعية وقد كاد ساتان يجنّ على اثره ، يريد الدخول ولكن الخادمات يمنعنه كل مرة ! لا يجب ان يكون في الداخل وقت الولادة لأنه قد يؤثر على الطفل بقواه التي تحيط به و بخوفه على حاله !

هو لم ينصت مرة حتى لنبض قلبه ، ولكنه الان انصت له ! لأول مرة يتسوعب الوتيرة التي ينبض بها و الضخ الذي يقوم به من اجل تحريك الدماء في عروقه وشرايينه ، هذا القلب المثقل بكل الاوجاع والهموم !

غطى عينيه بباطن كفيه وراح يتنفس بسرعة من فمه وهو يستند على الجدار ، الشعور المشؤوم الذي لا ينفك يؤرقه كلما تخيل الطفل ! هل هي لعنة حلت عليه ؟! ام نذيرٌ من المستقبل ينبأ بهلاكٍ اكيد ؟!

هو ليس متأكداً من هذا حتى ! جلّ ما يعرفه هو التغير الغريب في الجو من حوله وخفة الضغط الجوي وكأنما ازمة هي انفكت ...

بكاء طفل !

بكاءُ طفلٍ هز اركان القصر وصدع فيه بالحياة المطلقة لأول مرة منذ دهور ، صوت البكاء الذي تاق هو لسماعه منذ ان صنع هذا العالم ! صوت بكاء طفله .. طفله هو !

تلك الابتسامة العفوية و الجملة التي لا تخرج إلا من قلبٍ صادق بحبه

- ابني ... ابني انا قد ولد !

بدون ان يشعر كان جسده قد تحرك فاتحاً الباب ليستقبله ضوءٌ عجيب ، تلاشى الضوء بهدوء فظهرت آيـآكا بإرهاقها امامه ، شعرها المبعثر على كل وجهها وابتسامتها البلهاء قد اضحكتاه بشكلٍ لم يتوقعه

بين يديها حملت الطفل الذي طال انتظاره ، الطفل الذي حرك مشاعر ساتان بتموجٍ غير متوقع ، ناحيته سار متحمساً لحمله بين يديه ، إلى شعره الخفيف الاشقر كان ينظر وإلى طريقة تقطيب حاجبيه تعجب !

كل شيء في هذا الطفل كان غريباً في ناظريه ، رغم رؤيته لآلاف الاطفال من قبل ولكن طفله فقط بدى .. مختلفاً عن الباقين !

تناوله من يديّ آيـآكا بهدوء ورآح ينظر اليه بملامح متعجبة محبة ، حالما امسك الطفل بأصبعه حتى احتلت الابتسامة ملئ شدقيه ! سعادة تغمره ، تلك السعادة التي تجعلك تظن بأنها ابدية ، السعادة التي تريك الجنة وسط الجحيم ! ذاك النوع من السعادة الذي يجعلك تبتسم دون ان تشعر ! سعادة الدفئ ! سعادة ولادة حياة جديدة !

تلك هي السعادة التي تاق اليها ساتان منذ ان ابصر النور في هذه الدنيا !

بحنان يرغبُ به الجميع وابتسامة سلبتّ اللبّ من جماجم الخادمات وآيـآكا اعلن عن اسم مولوده بهدوء

- باندورا ، سيكون اسمه كما احببتِ آيـآكا ، باندورا ابن ساتان هو اسمه !

فرحت آيـآكا وشعرت ان الدنيا لم تعد تسع سعادتها المطلقة التي هي الان في خضم تجربتها ، مسحت الدموع من عينيها بهدوء وهي تضحك بشكلٍ ابله على حالها الغريب

تلاشي ابتسامته وشعور كرهه قد احتل مكان السعادة وهو يرى تلك اللمعة في عينيّ طفله ! اللمعة التي كرهها في نفسه والتي تدل على تلقيه اسوء جزءٍ من جينات ساتان !

تحولت ملامحه للغضب فجأة ولكنه حاول اخفائها بابتسامة كاذبة امام آيـآكا التي تعجبت من الشؤم البادي في عينيه ، امسكت بطفلها من بين يديه وخرج ساتان من الغرفة وسط صدمة الجميع من فعله !

مرتّ اشهرٌ طويلة كبُر فيها باندورا بشكلٍ جيد حتى اصبح قادراً على الحبو و بدأ يحاول التحدث كسائر الاطفال

آيـآكا تلعب معه بحنان وسعادة وكأنما هي طفلة معه تفهم ما يقوله و يفعله ، تحتضنه بقوة حتى يختنق تقريباً وتطعمه كل شيء رغبة منها في جعله بديناً إلا أن ساتان يمنعها من ذلك بالقوة !

ساتان القلق على الحال التي شاهدها في عينيّ باندورا لحظة ولادته ، يعرف بأنه ورثها منه ! الروح الشيطانية الاصلية ذات الدم النقي ، الشخصية الحقيقية لساتان والتي دفنها في اعمق بقعة في نفسه

روح سولومون !

الروح السوداوية الجنونية التي تجّرد حاملها من المشاعر ، الروح التي تظهر حقيقة كل كيان !

اصل الظلمة تعتبر وربما مولودتها كذلك ! حقيقة ساتان الذي يصبح كالشياطين السود حالما تستيقظ فيه

والاسوء من ذلك كله بأنه يفعل كل شيء بإختياره ، يدمر ، يقتل ، ينهب ، و يعذب كلها بإختياره وليس مرغماً عليها !

تلك الظلمة التي توقظ القوى المطلقة لحاملها ، الرعب الذي تسببه لجميع الاعين !

الفكرة الوحيدة التي تتكون داخل عقل من تنشط فيه هذه الروح الظلامية هي

الموت هو الخلاص والتدمير هو الحياة !

اغمض عينيه بألمٍ شديد في صدره من القلق فهو لا يريد ان يحدث مع ابنه ما حدث معه من قبل حينما دمر عالم الشياطين الذي بناه ! واضطر لإعادة بنائه من الصفر بعدها !

ففي النهاية تلك الروح هي اصل جميع الشياطين ، هي التي صنع بها ساتان شياطينه وحوّل بعض البشر إلى شياطين بقوتها !

ففي النهاية تلك الروح هي ساتان !

ساتان الواقف في حديقة القصر تفاجئ بريو الذي ظهر من العدم مقهقهاً على ملامحه التعيسة ، التفت اليه بغضبٍ جليّ على ملامحه إلا ان ضحك ريو قد ازداد بشكلٍ مثير للأعصاب !

- افهم افهم ما تفكر به عزيزي ! روح سولومون اليس كذلك ؟! يا الهي انت لا تتغير !

قالها بأقصى درجات السخرية لديه فتفاجئ ساتان بعض الشيء منه واعقب ببروده

- غريبٌ ان اجد عقلاً في جمجة خاوية ، على الاقل لا اعتقد بأن حجمه يتعدى حجم حبة الفستق !

تلك الاهانة كانت كالسهم الذي اصاب وتراً حساساً قاتلاً ، سقطت الدموع من عينيّ ريو الذي تألمت مشاعره وتحطمت مواهبه

- شرير كالعادة ! تحطم قلب افضل اصدقائك ايها اللعين !

ابتسامة جانبية شريرة هي كل الاجابة التي اعطاها ساتان لريو الباكي بحرقة ، توقف بعد فترة من الزمن وتنهد وهو يردد واضعها احدى يديه على وجنته مستنداً عليها يدحرج جثة بأطراف مخالبه

- ولكن في النهاية انا تنين الظلام – ساما الفكاهي الرائع الجميل لدي الحلّ لجميع المشاكل !

ضاقت عينا ساتان الذي تبشّر الغباء من كلام ريو ، خاصة انه يقوله بوضعية غريبة !

- وما هي تلك الطريقة ، تنين ظلامي – احمق ؟!

ظهر عرق الغضب على وجه ريو الذي عصر الجثة بيده فتطايرت الدماء في كل مكان ، اجاب بحنق

- حسناً ، انت تتذكر تلك القلادتين اللاتي قمت بصعانتهما قبل امدٍ بعيد ؟!

- اتعني مثيلة التي ارتديها لحبس قواي عند ذهابي لعالم البشر ؟!

- بالضبط !

- ولكنها اختفت من زمن

- وقد وجدتها !

- ماذا ؟!!

- القلادة الاخرى التي صنعتها من اجل ابقاء روح سولومون نائمة بإستخدام رثات بعض التنانين قد وجدتها انا ؟!

- وأين وجدتها بحق الجحيم ؟

- هيهيهيهي ! في الواقع يا عزيزي وجدتها على رقبة احد ملوك الوحوش وقتلته لاجلها !

- هكذا اذا !

اُصيب ريو بخيبة املٍ من ردة فعل ساتان الباردة الحديدية ، ضاقت عيناه بملل وتدحرج على الارض بعدها مسبباً زلزالاً عنيفاً

- طفلٌ بكاءٌ ضخم !

ثلاث كلمات قد طعنت ريو في الصميم ، توقف يبكي بصراخٍ يجادل ساتان الذي لم يفهم أي كلمة مما يتفوه به ريو أمامه !

بعدها مدّ ريو يده وفتح قبضته لتظهر القلادة الذهبية التي يتوسطها حجرٌ كريم ارجواني اللون ، تناولها ساتان فاردف بابتسامة لاذعة شريرة

- حسناً من الجيد انك وجدتها ، كنتُ افكر بقتلك لصناعة واحدة جديدة !

شهق ريو بغباءٍ شديد وصرخ منفعلاً

- لما انا ؟! بإمكانك قتل اي تنين آخر !!

رفع ساتان يديه وقال ببلاهة مصطنعة

- قتل تنين آخر سيكون تضييعاً للقوى والذكاء الخاص بهم ، انت من جهة اخرى فقتلك سيكون راحةً لعقول جميع من يعرفونك !

لم يعد يتحمل ! ساتان يقصف مشاعره بشكلٍ لاذع يحطم كل ذرة شعور مرهف داخله ، قد يقرر يوماً ان يقتل هذا الاسطوري ملك الشياطين ولكنه يخشى على مخالبه من الانكسار !

التفت باكياً وقال بحسرة وندم

- العفو يا صديقي العزيز ، لا شكر على واجب في انقاذ حياة جرذك الصغير !

في تلك اللحظة الشيء الوحيد الذي شعر به ريو هو حرارة الدماء التي تطايرت على وجهه حينما شاهد مخالبه اللامعة تقتلع من مكانها !

الالم الذي شعر به لم يكنّ جسدياً ! بل كان حسياً حينما شهق فزعاً لأن احد رموز جماله قد اختفى ! راح يتقلب على الارض يصرخ من الفجيعة التي حلّت به !

إلا انه ادرك الالم الجسّدي بعدها مما زاد الامر سوءاً ، راح يبكي بشكلٍ يقطع القلب وقد التفت لمشاجرة ساتان إلا انه توقف حالما ادرك الشرار المتطاير من عينيه والغضب البادي على وجهه !

- إياك أن تهين ابني ايها التنين الاحمق !!!

بدى ريو في تلك اللحظة كالنملة ضد آكل النمل الضخم ! شُحب لونه للأبيض وقرر النجاة بجلده قبيل ان يفقد باقي ملامح جسده !

لوح لساتان وهو يطير مبتعداً مردداً ببلاهة وغباء لم يشهد لها العالم مثيلاً

- وداعاً يا صديقي ، عليّ العناية ببشرتي فلدي موعدٌ مع جميلة التنانين لاحقاً !

نسيّ ساتان امر ريو الاحمق مباشرةً ودلف إلى القصر حيث تقّلد ابنه القلادة الحامية لتقيه شرّ روح سولومون !

مرتّ السنون وكبّر باندورا واصبح شاباً قوياً يهابه الجميع ! مفخرة ساتان ! الابن الاول والقائد الاعلى لجيوش عالم الشياطين

الشابّ الذي لم تسعه فرحة حينما ولِد له شقيقٌ اصغر منه ، والذي سموه كازو !

لم يحب باندورا شخصاً كما احب كازو ! كان كل ما يهتم لأمره ، شقيقه الصغير قد سلبه عقله تماماً ، ربما لأن باندورا عاش وحيداً بلا اشقاء لفترة طويلة جداً ، فلم يعرف شعور أن يكون لديكِ شخص مثلك إلا الان !

ومع مرور الوقت كبر كازو كذلك وتعلق بشقيقه بشكلٍ لا يمكن تصوره ، الشقيقان الوحيدان في قصر ساتان الضخم

ومن اجل وعدٍ قطعه باندورا عليه كان قد اتجه إلى غرفة شقيقه من اجل تحقيقه ولكن

تأثر باطنياً الفتى الصغير حينما ادرك بمسامعه ما ردده والده عليها ، حينما اعلمه بنبرة الملوك عن غياب احبّ الخلق اليه لفترة من الزمن

- لستُ انوي الكذب كازو ، باندورا سيذهب لشهرٍ كامل في خضوم الحروب !

أطرق الصغير رأسه خائب الامل ليعقب بنبرة مكسورة تعكس ما داخله من خيبة

- ألا يمكن الوصول لشخصٍ يعوض وجوده في الجيش ؟!

علامات الرأفة ظهرت على قسمات الملك الهادئة ، دانياً من ابنه الثاني ابتسم محاولاً التخفيف عنه بكلماتٍ حنونة اراد بها ان يدرك الصغير ان لا خيار غير هذا

- ولو كان لدي اتظن بأني سأرسل باندورا ؟!

سأله بحنانٍ عجيب ، اثّر في نفس كازو الصغير بشكلٍ لم يتوقعه ، حينما ظهرت ابتسامة صغيرة على شفتيه متسرسلاً بهدوء

- في النهاية يبقى الاقوى اليس كذلك ؟! ذلك هو اخي !

استدار بعدها خارجاً من الغرفة العتيقة تاركاً والده المكروب على همّ قلب صغيره وحيداً ، فالوعد الذي قطعه باندورا على كازو الصغير دائماً ما يُكسر بمثلِ هذه المهمات المفاجئة

مما يجعل الخيبة تكبر يوماً بعد يوم في قلب كازو الذي اراد بشدة أن يتعلم فنون القتال من شقيقه الاكبر وليس من غيره !

في حين خروج الصغير من بوابة القصر الصخمة صادف عزيزه امامه مبتسماً بشكلٍ مريب اثار الشكّ في قلبه الخائب

توقف عنده منتصباً يرنو إلى ملامح باندورا المتوترة ، لم يدرك حينما دنى منه الاخير بغتة حتى مسح على رأسه مناجياً ما في قلب كازو من عطفٍ تجاهه

- ارجو ان تسامحني للمرة المليون كازو ، سأحاول بجد ان ادربك في المرة القادمة !

لم يعد لهذه العبارة تأثيرٌ على مشاعر الصغير ، فقد تبّلد حتى ما عاد انصياعه للكلام مهماً في أي وقت ، لعل باندورا شعر بشرار عدم الرضى في عينيّ كازو ولكنه في النهاية مضطرٌ كيّ يدحر الاعداء المترامين على تخوم العاصمة " راكوس ماريا "

تنهدّ وربما تفيدُ هذه التنهيدة في ارساء الرحمة في قلب كازو القاسي ، انكسر اللمعان في عينيهّ ووقف يحكّ مؤخرة رأسه ، كونها في النهاية عادة موروثة في جينات ساتان لأبنائه !

التفت فأعطى كازو ظهره ، بإكتساحه السواد سار حاملاً سيفه لقيادة جيشٍ ضخم من اعتى الشياطين لمحاربة اعدائهم " الالف " في تخوم العاصمة

رياحٌ باردة حرّكت شعر كازو الارجواني بهدوء حينها شعر بأن هذه هي المرة الاخيرة التي تبقى فيها الاحوال على وتيرتها الهادئة !

شهرٌ كامل مرّ بعد هذا الحدثِ الصغير ، متمتاً هو القدر فيه بأنيّ سأريكم حرباً طاغية في قلوب النيران المتأججة

مزمعاً إلى حيث البوابة والابتسامة ملأت حدّ شدقيه من السعادة ، وكأنما خيوط مشاعره قد فكّت التشابك واعادت البهجة المفتقدة الى حيث روحه ترتكز جسده

اجبّر نفسه على التوقفِ حينما شاهده بعد شهرٍ كامل ، وكأنما الشهر الماضي كان مئة عامٍ من الانتظار ، رغم سعادته إلا إنه لمح تغيراً في عينيه ، شيءٌ ما تغير وجعله ينفرُ من ابتسامة باندورا لوهلة

ولكن هذا قد تداعى حينما دنى منه مجدداً ، نفس الشعور المألوف الذي صادفه من قبل هو الان هنا ، ازاح الشكوك واقترب من باندورا سعيداً بعودته

عانقه اشدّ العناق وتبادل معه أطراف الحديث لحين مجيء ساتان و آيـآكا اللذين بانّ الفخر جلياً على وجوههما من افعال باندورا البطولية في المعركة

- وكأنما طفليّ اصبح رجلاً ، اشعرُ بأني عجوزٌ الان !

قالتها بفخرٍ لأبنها وسخرية على نفسها ارادت بها ان تلطف الاجواء بينهم الاربعة ، مما جعلها تسرق همهمة ضحكة باندورا من جوفه ليحيل بنظره صوب والده الهادئ بابتسامة متعكرة

- ما الذي اراه بين يديكِ باندورا ؟!

رددها ساتان بنبرة متعكرة مليئة بالشك والقلق مما يحمله ابنه بين يديه ، سيفٌ اسود لم يره من قبل في حياته يرسل إلى سيالاته العصبية رسالة خبيثة ارهبت بعض خلايا جسده

اجابه باندورا بهدوءٍ وكأنما السيف ليس إلا سيف دون احتواءٍ لغرابة فيه

- اراك قلقاً مما فيه ، مجردُ سيفٍ صنعته من عظام " التراكوزا " ليس شيئاً كبيراً !

- قتلت تراكوزا ؟ هل انت جاد ؟!

ارادت بنبرتها المتفاجئة حثّه على ترديد العبارة مرة اخرى ، فقتله لهذا المخلوق نذيرُ شؤم وينذر بنوعٍ من الفساد الحاصل لا محال !

رفع السيف بين يديه مستلاً من غمده الاسود الظلاميّ ، مشبعاً بالكراهية هو النصل ذي العبارة الحمراء ، اقترب به من والدته مبتسماً بهدوء راغباً بإثباتِ امرٍ ما لهم

سألها بنبرة ازعجتها بطريقة لم تتوقعها

- هل لي بطعن كتفك به لتري قوته ؟!

قطبت حاجبيها مستنكرة ، لعل ابنها قد جنّ من الحروب ، فهي تعرف بأن لا سلاح يمكن ان يؤذيها بشكلٍ او بآخر ، فـ قهقهت بخفضِ الصوت واعقبت مجيبة

- لا بأس ، افعل ما يحلو لك

لم تكن الابتسامة التي ظهرت على ثغره مريحة لوالده الذي ظنّ بأن ما في افكاره قد يغدو حقيقة في أي لحظة ولكنه متجاهلاً الموضوع راقب ابنه يطعن والدته في كتفها

ولكن ما شدّ انتباهه هو الانين الذي اطلقته آيـآكا متألمة حينما تراجعت مسرعة خائفة مما سببه السيف لها !

توتر ساتان بعض الشيء فبان الغضب على ملامحه جلياً متذمراً من فعل ابنه

- ما هو هذا السيف بالضبط ؟! ما الذي اضفته اليه ؟!

اعاد السيف إلى غمده محاولاً ان لا يبدو الامر اسوء مما هو عليه ، فرمق اخاه الصغير مكتّف اليدين مستنداً على الجدار بضعف ، تجاهل الاخير نظرته ورمقه برغبة التفسير نفسها

- كما قلتُ من قبل صنعتُ هذا السيف من عظام تراكوزا ، ولكنيّ اضفتُ اليه شيئاً ليجعل السيف سلاحاً فتاكاً قادراً على الاطاحة بأعتى الوحوش ، اضفت دمائي ودمائكما إلى تكوين السيف نفسه مما جعله غير قابل لأن يدمر وكذلك يبدو وانه يؤثر على والدتي رغم اني لا اتوقع تأثيره بنفس الشكل عليك يا والدي !

فسّر الامر بحنكة ودهاء معهودة منه مما جعل كازو يقترب من السيف قائلاً بجدية

- لستُ اراه إلا مسخاً بلا روح ، تدميره افضل من بقاء كيانه طليقاً !

تعّجب باندورا من الكلام الكبير الذي تفوه به كازو الذي بدا عليه القلق من هذا السيف ، ولكن ساتان المبتسم قد تقدم وحمل السيف بين يديه متفاخراً بشكلٍ مرعب

- لا اعتقد بشؤم هذا السيف ، سيكون مفيداً لأحلال النصر على حروبنا وكذلك في حماية دمائنا !

التفاؤل الغريب الذي بثتّه كلمات ساتان في نفوس الثلاثة قد جعل من السيف كياناً مرحباً به بينهم ، نسيّ الكل الموضوع بعد حين حالما تقدم كازو من باندورا مبتسماً فاستطرد بكلامه بغرور

- والان إن اردت منحك العفو من حضرتي فعليكَ ان تفي بوعدكَ لي وتدربني ، باندورا – ني !

باندورا ضحك على شقيقه الاصغر بمرح حينما قام بحمله بين يديه بحبّ وسار به إلى غرف التدريب قائلاً بخبثه الابله

- إذاً لن ارحمك كازو ، سأسبب لك نوعاً من الاعاقات !

- هذا ما انتظره !

اجابه بحماس مما جعل ابتسامة باندورا تزدادُ اتساعاً ، ابتسامته تلاشت في لحظة مما اعاد الهيبة المرعبة إلى الهالة المحيطة به مجدداً ، فتطويع نفسهِ على أن يقاوم شعورَ رغبة تدليل شقيقه الاصغر ليس بالامر السهل وعادة ما ينصاع لهذه الرغبة في آخر المطاف

قضى وقته دون راحة وهو يعمد إلى تعليم شقيقه فنون القتال والدفاع عن النفس ، حتى أنه علمه طرق التحكم بقواه وبالتشاكرا التي تستهلكها اجساد الشياطين بشكلٍ قليل

- إسمع كازو ، نحن كشياطين لا نتاج للتشاكرا لأن اجسادنا لها قوى خاصة بنا منفصلة عن التي لدى البشر ، ولكن هذا لا يعني بأننا لا نستطيع استغلال وجود التشاكرا حولنا ، بل نستطيع فعل ذلك لجعل تقنياتنا اكثر قوة وفعالية مما هي عليه !

كان يستمع إلى الحديث الخارج من فاه اخيه بكل تركيز ، فكل كلمة وحرف مهمة في تحديد حالته في اثناء القتال ، يحب طريقة تعليم شقيقه فهي معقدة ويفهمها اكثر من السهلة بكثير !

اما باندورا فقد كان يضحكه الامر ان يكرر نفس العبارات التي قالها له والده اثناء تدريبه في طفولته ، خاصةً وان هذا يعودُ لزمنٍ بعيدٍ جداً ولكنه لا يزال راسخاً في مخليته !

قُضي الوقت بسرعة حتى لم يصدق الاخوان مدى سرعة مروره

اُنهك كازو فيه بشكلٍ لم يتوقعه ، خاصةً انه اصيب بكدماتٍ كثيرة وكُسرت يده اليمنى من المرفق كذلك

ولكنه كان يبتسم سعيداً وقد قهقه بحماسة وهو على الارض مستلقٍ ويلهث بسرعة

- أنت رائع باندورا – ني ! لم اتوقع اقل من هذا منك !

ضحكَ باندورا على ما قاله كازو ، اردف بعدها بهدوء وهيبة

- وما قدمته هو اقل ما توقعته منك ، احسنت كازو كنت جيداً !

ابتسم كازو بخبث وقد قفز على باندورا قائلاً بصراخٍ حماسيّ

- سأقود الجيش يوماً ما معك ! وسوف تفخر بي اكثر من الان !

اتسعت ابتسامة باندورا الهادئة ، ربت على رأس كازو واعقب ببعض البرود

- اجل انا واثقٌ من هذا ، سأفعل اي شيء من اجلك واجل والديّ !

في الناصية الاخرى من القصر كان ساتان في غرفته يقرأ كتاباً برفقة آيـآكا التي تعرف بأنه قلقٌ من امرٍ ما !

- تخشى من ان يوقظ باندورا حقيقته طواعية ؟!

قالتها بحكمة ووقار لم تكونا غريبتين عليها مع ساتان الذي اغلق الكتاب بقوة مجيباً ببرود

- تعلمين ان تأثير القلادة يعتمد على الشخص بحد ذاته ، فأنا مثلاً تمكنت من التحكم بها بشكلٍ جيد لذا لا احتاجها ولكن باندورا .. لا يزال فجاجاً !

مطّت شفتيها ببعض القهر وهي تترك ما تحيكه بالصوف ، التفتت لساتان وقالت حذرة

- اذاً أتظن بأنه سيوقظها لضعفه ؟!

هز رأسه نافياً بشكلٍ ازعجها ، حالما اجاب بجديتّه حتى شرت الرعشة في جسدها

- في النهاية يعتمد مدى وعيه لوجودها فيه على مدى استمتاعه بالقتل ! كلما قتل اكثر وشعر بنشوة الشياطين كلما زاد وعيه لوجود حقيقة مختلفة داخله ! وإن فتح الصندوق سينتهي امره وامر هذا العالم !

ضاقت عيناها بحزن ، هذا التفسير تكرهه بشكل لا يعلمه احدٌ غيرها ، هي بحد ذاتها لا تملك هذا الشيء داخلها من حسن حظها ولكن ابنها يمتلكه ! تخشى من فكرة أن يتحول إلى ما تكرهه امام ناظريها دون ان تكون قادرة على فعلِ شيءٍ لإيقافه !

كان يحمل كازو على كتفيه ممسكاً بقدميه حتى يمنعه من السقوط ارضاً وتحطيم الارض ، اجل هو يخشى على العالم من كازو ولا يخشى على كازو من العالم

يحدثه كازو الصغير بمختلف انواع المواضيع الثقافية ، السياسية والقتالية ، يتعجب منه بشكلٍ لا يمكن تصوره ، فهذا الصغير قد دخل ميدان الكبار وهو في هذا السنّ الحديث !

- حسناً ويقول حكيم الشياطين المشهور كاردينيه " الحياة بالصراع هي ما يوجب التحول من اجل السلام " ، في الواقع العبارة صعبة الفهم بدايةً ولكني حللتها حتى فهمتها !

شعر باندورا بالإنبهار للحظات فابتسم وهو يرد قائلاً بهدوء

- حسناً كذلك يقول كاردينيه بأن اصل الوجود يرجع إلى الرغبة في التجربة و التغيير !

وضع كازو رأسه على رأس باندورا وهو يتفّكر فيما قاله ، لمعت فكرة في رأسه فأردف بعدها متحمسأ

- اذا ما رأيك بتغيير مجرى النهر لأحداث توافق ما نريده نحن وليس ما يريده التيار ؟!

ابتسم باندورا ببلاهة شديدة وهو يعقب بقليل من التوتر

- ولكن هذا التغيير قد يؤدي للكثير من الكوارث !

صمت كازو مفكراً بعمق بالإحتمال الذي قاله باندورا ، رغم التوتر الذي ساد عقله إلا ان هذا الكرى ليس ما يريد أن يصيبه الان ، ملامح باندورا تغيرت فجأة ، انزل كازو على الارض ودنى منه جالساً على الارض

تعجب كازو الفعلة الغريبة ولكنه انصت إلى تلك الابتسامة النقية التي اعتلت وجه باندورا

- اسمعني كازو ! سأخبرك بشيءٍ واحد يدمر الروح ويقسمها الى اشلاء لا تلتحم مجدداً !

- ماهو ؟!

الملامح الجدية اخذت مكانها من وجه باندورا الذي ردد بتحذير

- الخطيئة والذنب ! احذر ان تذنب وتخطئ ! احذر لذة الشعور الذي يواتيك إبان القتل ! تلك النشوة والرغبة في ان تظهر قوتك احذرها !

صمت لوهلة ، اكمل بعدها

- وإن فعلت ذلك ! إن انغمست في شهوات القتل والشعور باللذة فاعلم بأني اراقبك ! لاعاقبنك عقاباً لن تتخيله وازدريك امام الخلائق جميعاً ! لن ارحمك إن رأيت بأن شيطانيتك هي ما تحدد طريقك !

الرعب التحذيري على وجهه والتهديد الوعيدي قد ارعبا كازو بشكلٍ لم يتصوره هو بنفسه ، ارتجف بعض الشيء وقد علم أن ما يحذره منه ما هو إلا هلاكه وهلاك كل شيطان لا محال !

ابتسم بعدها بهدوء وخفة وقال وهو يقف

- حسناً دعنا نذهب لصيد الذئاب الرمادية ! سيكون ممتعاً

- اجل

قهقه كازو ببلاهة ، اكمل كلامه مع باندورا بحماسة ، ريثما تيار المودة بينهما بدأ يتخذ تعرجاتٍ إلى مناطق لا تصل اليها القلوب عادةً !

في فترة لم يستطع احدٌ ان يفقه إليها اتخذت حياة باندورا منعطفاً مختلفاً ، ذلك المنعطف الملتوي كان القشة التي قسمت ظهر البعير !

القطرة التي ملأت كأس اليأس بمياه الهلاك ، التصوير الذي غداه والسفاح الذي لم يتوقع احدٌ ان يصبح متلذذاً برؤية عذاب ضحاياه !

باندورا الذي قرر مع استمرارية الحروب ان يغير اطباعه ، كان يكره قتل الاعداء و القضاء عليهم اصبح مهووساً يضحكُ بشرٍ وجنون حالما يقتلهم

صدع اسمه الارجاء كافةً فعرف الجميع بأن دماء ساتان ماهي إلا الرعب نفسه وحسب ، وفي احد الايام التي عاد فيها مغطاً بالدماء والاحشاء كان قد حدث تغيير جذريٌ فيه !

حينما اصطبغت بعض خصله الذهبية بالسواد ، واصبحت عيناه حمراء لامعة على الدوام ، القلادة التي يرتديها بدأت تظهر شراراً برقياً مضاداً له ، حتى انها اصابته ببعض الحروق !

حينها ادرك ساتان ! ان الغلطة كانت عواقبها وخيمة .. غلطة جعل ابنه القائد الاعلى على الجيوش كانت الضربة القاضية في كل شيء

تقدم ساتان بهيبته التي اكتسحته و الغضب الذي ضرب وتر الاعصاب الحساس له ، وقف امام باندورا العاصي بسخط وهو يتوعده بشكلٍ افزع حتى باندورا المتغير

- إن عصيتني وقررت الذهاب لهذه المعركة ، لأقتلنك بيدي باندورا !!

للحظة توتر باندورا ، إلا انه سرعان ما ابتسم بسخرية واردف بعصيان شديد

- سأفعل ! سأقتل واغير مجرى مياه النهر !

اتسعت حدقتا ساتان بشكلٍ تام مصدوم وهو يرى ابنه يخرج من باب القصر إلى حيث معركته الدامية الاخيرة

عضّ على شفاهه بقهر واستدار ليتوغل في اعماق القصر ، يستعد لسماع الخبر الاكيد ... دمار باندورا التام !

فهو لا يستطيع منعه ! إن استعمل القوة فقد يثير ذلك الروح وتستيقظ دون رغبة منه ، على باندورا ان يختار بنفسه ! فتح ذلك الصندوق او اغلاقه !

في خضم المعركة كان هو ، يترنح ضاحكاً بجنون على كل حياةٍ يأخذها ويحرمها التنفس ! يلوح بسيفه في كل مكان باغياً الدمار وخصلات شعره السوداء تصبح اكثر اسوداداً ! عيونه الحمراء تلتمع بالاحمر القرمزي السفاح

في تلك اللحظات وهو يقطع الرؤوس و يقطع الاجساد لأشلاء ! استمالته الظلمة للحظات ، لمكان لا ملامح فيه

امامه صندوقٌ اسود كبير بلون الظلام ولكنه كان واضحاً لسببٍ لم يفقه اليه ! اتجه ناحية الصندوق الذي فُتح للربع !

فبان جوفه المخملي الاحمر ! وداخله توسط دخانٌ اسود المكان ، بدى وكأنه ينتظر ان يفتح الصندوق كي يخرج وينفذ مهمته الازلية !

شعر بنبض قلبه يتسارع وهو يمد يده لا شعورياً ناحية الصندوق ، اراد فتحه لسبب لم يفقه اليه !

تراجع فجأة وهو يضع يديه على آذانه التي كادت تصم من صوت الصراخ الذي يسمعه !

وكأنما آلالاف الارواح المعذبة تصرخ في هذا الظلام ! تطلب النجدة .. تطلب العون والسداد ! آلمته الاصوات ! آلمه العذاب الذي يشعرون به !

ولكن السخط في جوفه قد احتله ورؤية الدماء كانت غايته الاسمى ! قاوم الالم الذي تصرخ به تلك الارواح فاتجه صوب الصندوق

جلس على ركبتيه ، امسك به من طرفيه فشعر بالصدمات تتوالى على جسده ، شيءٍ ما .. قوة ما تنفره من الصندوق محاولة منعه من فتحه !

ادرك الامر ، امسك القلادة التي يرتديها والقاها جانباً ، شعر بالحرية ، امسك الصندوق مجدداً ففتحه على مصراعيه مبتسماً بخبث !

واذا بذلك الدخان الاسود يدخل إلى جوفه من خلال فمه ! غريبٌ هو ذلك الصمت الذي احتل المكان به !

تلك الصدمات المؤلمة والموجة السوداء التي احاطت جسده ، بدأ يصرخ بشكلٍ جنوني ! متألماً والموجة الدخانية السوداء تصبح اكبر واكبر كلما صرخ متألماً !

وكأنما هو الصرع الذي حلّ به ، سقط على الارض متألماً والدماء تخرج من كل مكان من جسده ! هذا الالم ! لا يريده !

ما الذي فعله بنفسه ؟! ما هذا القرار الذي اتخذه ؟!

توقف كلُ شيء ، جلس على ركبتيه ينظر إلى السماء بعينين حمراوتين مبتسمتين ! ، شعره قد اصبح اسود بالكامل !

ولكن ...

شيء ما داخله ، شيءٌ ما اختفى من جوفه ! مشاعره ! ما عاد يشعر بشيء ! هذا الهدوء ، هذا الفراغ ! السلام الداخلي !

ابتسامة احتلت فاهه ، فبدأ يقهقه بشكلٍ جنوني حتى تحولت ضحكاته إلى صرخات جنونية ! وقف على اثرها يترنح بعينين مرعبتين ساغبتين لسفك الدماء !

شد على قبضة السيف وهو يصرخ بشكلٍ هتسيري

- الموت هو الخلاص ! الدمار هو الحياة !!

وخلال لحظات ، كان كلٌ من جيش الاعداء وجيشه الخاص ! مقطعين ! واشلائهم متناثرة على امتداد ارض المعركة الضخمة !

ولم يكن يدرك في تلك اللحظة الواقف ينظر من بعيد إلى ما فعلته يداه ! إلى الصدمة على العينين الممتلئتين بالدموع !

إلى كازو الذي اتى لرؤية بطولة شقيقه في المعارك ، واذا به يرى الوحش الكاسر الذي خشي ان يكونه !

و دون ان يشعر كازو بأي شيء ! كانت دموعه تنهمر حارقة وجنتيه ! وروحه و جسده !

باندورا ! بقي على هذه الحال لأكثر من خمسين عاماً ! يدمر ويدمر ويقتل دون توقف ! ساتان الذي ضاق به الامر ذرعاَ كان قد اعطاه الخمسين عاماً بناءً على طلب آيـآكا بالرحمة لصغيرها !

ولكنه لن يعود ! لا يوجد حلٌ كي يبطل ما حدث له بفعل روح سولومون ! لذا قرر أن يقتل ابنه بيده ! لأنه الوحيد الذي يستطيع فعل هذا !

وصل إلى مسامع باندورا خبر استهزاء بعض اهل القرى به ، فقرر أن يريّ الاغبياء ما يعنيه السخرية من الاسياد !

رجلٌ ذو شعرٍ اسود وعينان حمراوات تضمر شراً لن تكفيه الابدية لقمعه ، في كفه يحمل سيفاً اسود نحتت عليه عبارات حمراء مقتضاها الموت والهلاك وعدم الرحمة

النيران من خلفه استعرت وتأججت بشدة و الجثث من امامه اصطفت بدمائها التي لونت الارض بنهر احمر دامي ، سار في طريقه ناحية احدى المنازل ليكسر بابها ويدلف اليه رامقاً العائلة المتكورة على نفسها من الخوف بحنق ، الازدراء بادٍ على وجهه والغضب مكتسح الثنايا في قلبه

جوفه خالٍ من المشاعر الانسانية والرحمة ، يكشف عن جانبه الشرير بسهولة ان غلب قلبه على عقله ، يأتي ضحاياه بسرعة ويسلب حياتهم على مرأى من اعين الباقين

مدمر الشعوب والأمم ، ساحق البشر ومدمر معاشرهم ، الابن الذي اخفاه والده خوفاً من كينونته التي ورثها منه ، ولكنه فك الاسر طليقاً حرا ، وبدأ رحلة اضرام النيران في صفحات التاريخ الخالدة

اقترب منهم و نية القتل واضحة على ملامحه الهادئة الشيطانية ، صرخ شيخ كبيرٌ في عمره وقد كان ربَّ الاسرة

- باندورا ! ارجوك توقف ، لا تقتلنا ، لم نقصد اهانتك ، لم نقصد ان نحط من قدرك وننعتك بالسفيه ارجـ ...

ولكن الرجل لم يكمل عبارته لان باندورا قد فصل رأسه عن جسده امام اعين عائلته التي تلته في الموت البشع ليلقوا وسط النيران طعاماً تستهلكه الافاعي المتغذية على الجشع والدمار

خرج خارج المنزل وقد تحولت معظم الجثث والمنازل رماداً من النار التي لم تكتفي من تناول الحي والميت في المكان ، عُكست النيران على عينيه الحمراوتين فاشتعل قلبه حقداً جزيلاً انقض على روحه الهائمة في جسد شخص مذنب ، ارتوى من شعب الظلام كلها ولم يبقى له الا ان يرى الجحيم التي يحلم بحكمها يوماً وتعذيب كلَ من في عقله وإنزال اكبر قدر من الالم على كلِ حيٍ يتنفس

شق طريقه بين الدمار نافذاً ، وحيداً ، يتطلع الى الانحاء بكينونة غامضة وغاضبة ، القى نفسه مباشرة في الكره والأكاذيب ، يشعر بأنه ينتهي بالبداية التي بدأها وانه يسير في حلقة مغلقة وخالية من التغيير

كلُ ما حوله ابيض واسود مزين بحمرة الدم فقط ، قلبه لم يعد ينبض بعد الان وعقله توقف عن التفكير ، يمضي ايامه المنيرة هائماً في الكهوف واذا جثم الليل كل سائر يخرج ليذبح ويسلخ ويعذب ، كان هذا روتينه ، باندورا الذي حمل كل شرور العالم على كتفيه كهلاً ثقيلاً جلب له الشقاء لا المنتهي

ولكن دون ان يدري ظهر ضوء ابيض قوي ولكمة قوية دفعت باندورا بعيداً ، دون ان يقدر على المقاومة وكأنما جسده قد كُبل بسلاسل خفية منعته من الحركة ، كان ساتان الذي ظهر من العدم ينهال بالضرب على جسده الغارق في الدماء الخاصة بضحاياه

استطاع دفع ساتان بعيداً والوقوف على قدميه فهاجمه بالسيف الذي اخترق صدر ساتان فآلمه بعض الشيء ، إلا ان ساتان ابتسم ! وادرك الخدعة التي وقع فيها حالما ظهرت كرة طاقة سوداء في يد ساتان ضرب بها صدر باندورا فدفعه بعيداً !

ضوء ابيض حاد اخترق يمنة صدره وجعلته ينزف بشدة ، امسك ساتان رأس باندورا ليهويه على الارض بقوة مسبباً شرخاً نازفاً بدموية فيه

وقف باندورا وحاول مهاجمته ولكنه لم يفلح لأن الشرخ في رأسه لم يشفى فسبب له تشوشاً في الرؤية ، امسك ساتان بيدي باندورا وكسرهما ، في لحظة عجز سقط فيها باندورا على ركبتيه ، ادخل ساتان بعدها يده في صدره وهو يمسك بقلبه الاسود بين يديه

اعتصر قلبه داخل جسده ليهوي باندورا صريعاً على الارض المشتعلة ناراً ، خصلات شعر ساتان الذهبية لم تكن كفيلة لتغطي دموع الحسرة التي تنهمر من عينيه

بعدما انهى ساتان مهمته اختفى في ضوء ابيض كما ظهر منه قبل وهلة ، ولكن الفاجعة لم تقف هنا

الصدمة كانت حينما حرك باندورا نفسه بصعوبة بالغة وقد ارتوى جسده من دمائه الخاصة ما يكفيه لقرون ، تحرك بصعوبة ناحية سيفه الاسود وهو يمسح بيده الدم عن وجهه ويمسحه مرة اخرى على السيف ، بدأ يردد عبارات ختمٍ ما وقد امتلأ كيانه بالكره لنفسه ولكل شيء في هذا الكون

صرخ بحدة كادت تكسر الليل البهيم

- بعتُ روحي للشيطان مرتعاً واستقيت ارواح الابرياء بدم الفسوق ، انا باندورا اختم روحي داخل هذا السيف ليحمل ارادتي المظلمة المهلكة الى الزمن القادم ، ليختمن القوي منهم غضبي ان استطاع فعل ذلك !

برق السيف حمرةً كما برقت عينا باندورا واطلقت شرارات الجحيم ، اختفت اللمعة من عيني باندورا وسقط رأسه على الارض عاجزاً عن الحراك ، فاضت روحه الى السيف الذي خُتم وعيه فيه وسيبقى هكذا الى الابد

لم يدرك ساتان المصيبة الاخرى التي اختفت تبكي بشهيق صامت ، شفاهها ترتجف بعنفٍ وهي قد شاهدت والد طفلها يقتله بلا رحمة !

سقطت على ركبتيها فابتسمت بانكارٍ وصدمة وهي تقول باهتزاز مرتعب في صوتها

- وانا التي ... اتيتُ لقتلك بيديّ ! باندورا !
 
 
~
 


اتوهم أني حرة من قيودي الخاصة

ارى ما حولي .. اشعر .. اتقدم بخطواتٍ ثابتة

ولكن ما الذي حدث ؟! ما الذي جلبني إلى هذا المنوال ؟!

لما انا في ارضِ الاموات ؟!

لم تفهم ما الذي حدث في هذا المكان ! هي لا تدرك هل هي تحلم ام ان ما تشاهده حقيقة !

كلُ ما تتذكره طعن آيـآكا لها بباندورا وسقوطها ارضاً ! وها هي الان تستيقظ هنا لتجد الجميع في حربٍ طاغية !

السماء حمراءٌ تماماً والتمثال الضخم يضخ الدم بغزارة ، اخوتها السبعة يقاتلون وحوشاً سوداء بلا ملامح !

والدها يمسك بشعرِ آيـآكا التي ما عاد لها قدرة على الحركة من فرط الضرب ولكنها تبتسم بخبثٍ قائم في عينيها !

وقفتْ بصعوبة مستعينة بجذع الشجرة الذي كانت تستند عليه ، واذا بها تشعر بما لم تكنّ تريد ان تشعر به !

فتحولت عيونها وملامحها للصدمة وهي تشهق ! تشاهد كلاً من ساسكي ، ناروتو وايتاتشي في خضم القتال مع الباقين !

- لماذا ؟!

قالتها بهمسٍ لضعفٍ في قواها ، كادت تخور وتسقط لولم تستعن بالجذع مجدداً ! ارادت ان تبعدهم عنها ! لا تريدهم في حربٍ لا ينتمون لها !

لما عليهم ان يعانوا كما تعاني هي ؟! هي الان ستعاني اكثر واكثر مما يفعلونه لها !!

- توقفوا ... ارجوكم .. عودوا ادراجكم !

صوتها خفيضٌ مرهقٌ لا قوة فيه ، لن يصل اليهم مهما حاولت ، جلست على ركبتيها وهي تحاول التنفس !

وجرح باندورا في قلبها لم يلتأم بعد ،امتلأ وجهها بالعرق وشحُب وجهها تماماً وكأنما هي من الاشباح !

تعجبت من تلك القوة لدى ساسكي ، لم تتوقع ان يكون بهذه القوة إن اصبح جاداً تماماً ! كل هذه التقنيات ! وكل هذه الهجمات والدفاع ومهارته في استعمال السوسانو !

لقد تغّير تماماً واصبح اقوى من ذي قبل بكثير ، ابتسمت بوهنّ ، كيف لم تدرك هذا الامر من قبل ؟!

يبدو وكأنها الوحيدة التي لم تتغير ، الوحيدة التي لم تتقدم في اي شيء ! كلهم الان اقوى بكثير ! عداها ! فهي تضعفُ كلما مرّ الوقت

اجل هي ملعونة لا محال ! لا مجال لإنكار هذا ، استيقظت من سرحانها حالما جُرح ساسكي في كتفيه قبيلما قتل الشيطان الاسود الذي يجابهه !

فزعت خشية ان يؤثر هذا الجرح عليه بشكلٍ لا يحمد عقباه ، فوقفت دون ان تشعر وهي تصرخ فزعة

- ساسكي !! هل انت بخير ؟!!

انتبه لها فالتلفت متفاجئاً ، ابتسم بسعادة حالما رآها واعية بخير ، فقال بغروره المعتاد

- لا تقلقي ايتها المزعجة ! انا بتسعة ارواح لن اموت بفعل خدش كهذا !

في تلك اللحظة بدى بطولياً بشكلٍ تام ، انبهرت به واحمّرت وجنتاها اعجاباً بما يفعله مما اثار غيظ كازو الذي اعتصر رأس احد الشياطين السود بيده المجردة !

ولكن هذه حرب ! والحرب لا ترحم من كان ضعيف الروح قبل الجسد ! لحظة الغفلة في الحرب تعني الموت !

هذا ما ادركته آيـآمي حينما التفتت للخلف لتجد شيطاناً على وشك ان ينهي حياتها ! مرت تلك اللحظات ببطء شديد

وكأنما الوقت يريدها ان تتذكر كل لحظة من موتها حالما تفقد الحياة وتنتقل لعالم الاموات ! تلك اليد الخوزقية التي يملكها الشيطان الاسود قد كادت تخترق قلبها لتفنيه تماماً

ولكن يداً دافئة امتدت فجأة ودفعتها بعيداً ، يدٌ تعرفها تمام المعرفة وتخشى عليها من الاذى !

سقطت على الارض ولكن عينيها لم تتركاه للحظة ، شاهدت اليد الخوزقية تخترق صدره فتتناثر دمائه على وجهها

ارتجف كامل جسدها في تلك اللحظة ، حالما التفت الشتوي المطعون للخف فركل الشيطان الاسود وابتعد عنه !

إلا أن آخراً ظهر من العدم فطعنه مجدداً في معدته ! توالت الطعانت على جسده من كل مكان والشياطين عديموا التفكير ينهالون عليه من حدبٍ وصوب

دمائه تتناثر عليها ، على وجهها وجسدها وكل مكان على الارض ! يتلقى الضربات وهو غير قادرٍ على الدفاع عن نفسه !

ولكن ناروتو صرخ بقوة وهو يقتل بعضهاً منهم باستخدام قوى الكيوبي

- اللعنة عليكم ! اتركوا ساسكي وشأنه !!!

ابتعدوا عن ساسكي صوب ناروتو الذي استطاع ان يقضي عليهم ، آيـآمي لا تزال مصدومةً وهي تنظر لجسده المضرج بالدماء من كل البقاء !

حالما شاهد الجراح التي تسببوا بها له تتحول للأسود ادرك بأنه على وشك ان يموت ! كيف يعقل هذا ؟!

وقفت آيـآمي مصدومة تنظر اليه وعيناها قد اغرورقت بالدموع الحارقة المقهورة !

ولكنه بدأ يفقد بصره ، لابد ان يكون بسبب ضربة ذلك الاحمق على رأسه ! كل شيء بدأ يتشوش تدريجيا !

يسير بترنح صوبها ، تلك الواقفة المتحجرة غير المصدقة لما قد حصل له !

صدره مضرجٌ بالدماء وهو يسعل المزيد منها من فمه الذي تلطخ بها من كل مكان ! خطواته بطيئة ناحية محبوبته المصدومة !

حتى استطاع الوصول اليها ، فابتسم بحب مرهق رغم الالم والدماء وقد اعتلت يده وجنتها بحب

- سآخذ اللوم حتى لا تشعري بالعار والخجل ! سأخبئ المك عميقاً حتى لن تعودي قادرة على الشعور به ! كما كنتُ اعانقك كل مرةٍ و يختفي المي ! انا كذلك سأحميكِ واخفي المك ! ولأجل ذلك اخفي دموعكِ ، لا تبكي لاجلي آيـآمي ! سأحجبها كلها ، تلك الصرخات التي ملأت عقلكِ بالشكِ والخوف ! سأهدئها كلها وسأبقيكِ آمنة من كل شيء ! ستبقين آمنة ! سأخفي كل معاناتك وامتص كل قطرةِ الم شعرتي بها يوماً ما ! ستبتسمين مجدداً .. غداً حينما تشرق شمس يومٍ جديد ، ستبتسمين بسعادة ولكني .. لن اكون هنا !

شهقاتها الصامتة ودموعها التي تسقط بغزارة وهي تسمع ما يقوله لها ساسكي الواقف على اعتاب الموت ! ما الذي يتفوه به ؟! لما يجب عليه ان يموت ؟! كلا !! لن يموت !! لن تسمح له بأن يفارق الحياة وهي لا تزال تتنفس ! لا تريده ان يموت ! عليه ان يعيش !

- انه خطئي ... خطئي انا ! هذا كله بسببي لانك تورطت في حربٍ لا شأن لكَ بها ! سأنقذك ! سأتخلى عن حياتي لأجلك !!

قالتها تبكي بحرقة وانفعال وهو قد سقط على ركبتيه فعانقته بقوة على ركبتيها كما هو ، شدّت الضغط على عناقه وهي تصرخ بحسرة وقهرٍ متندمة على ما فعلته ! على ادخالها إياه في حربٍ لا نجاة فيها لبشر

ولكنه ابعدها ببطء ، ابتسم وسط سيل الدماء من فمه ابتسامة ساحرة سرقت كل مشاعرها ، احاط وجهها بيديه وهي تضع يديها على صدره الدامي بخوف

- لقد تخليتُ عن حياتي لأجلك ! فلا تتخلي عنها ببساطة كما كدتِ تفعلين الآن

قالها بكل الحب الذي يمتلكه ناحيتها ! اقترب منها بهدوء وقد كادت شفتاه تلامس شفتيها ..

إلا انه قد فقد نور الحياةِ فجأة ! وسقط على كتفها مضرجاً بدمائه الخاصة ، هي ترتجف بشكلٍ لا يمكن تصوره ! تبتسم بشكل جنوني منكر ومصدوم

تمسكه .. تهزه بعنفٍ وهي تصرخ

- ساسكي .. كف عن هذا !! لا تمزح في هذا الوقت ! افتح عينيك ! ساسكي .. ارجوك ..

ولكن لا استجابة اراحتها ، جثة هامدة هي كل ما استطاعت ان تدركه فيه !

برودته ، شحوب لونه وبهوت عينيه ، امسكته بقوة وهي تضمه إلى صدرها غير مصدقة ! كيف ؟! كيف مات بين يديها ؟!

كيف سمحت لنفسها بأن تفعل به هذا ؟! لما عليه ان يموت وان تعيش هي ؟! ايجب حقاً عليها ان تقاسي فقد من تحب دوماً ؟!

- تباً لي !!! تباً لوجودي في هذه الحياة !! يالي من ملعونة !!! انا استحق اكبر العذاب !! كان من الافضل لو لم اولد !! كان من الافضل لو لم ارى النور !! انا مجرد حقيرة !! تافهة !! كيان لا حاجة له !! قذرة !! اجل مجرد لعينة !! تبـــــــــــــــاً !!

قالتها بكل الكره الذي تحمله لنفسها ! كل احتقار وكل نبوذ ! هي تكره نفسها بشكلٍ لا يمكن تخيله !

جثته التي بين يديها هامدة بلا حراك ، شدّت على معانقه وصرخت متحسرة

- ساســــــــــــــــكي !!!!!!!

رفعت رأسها تصرخ وتصرخ باتجاه السماء ! تصرخ حتى تصدع هذه السماء الضخمة ! تريد اجابة !! تريد تغيير ما حدث !!

لا تريد لمن تحبه اكثير من اي شيء ان يموت !!

- اللعنة عليّ وعلى وجودي الحقيــر التافه !!!!
وهي تصرخ بنفس الصراخ فتحت عينيها على انبلاجٍ شديد ! ترمق المكان الذي هي فيه بغير ادراك !
تشعر بحرارة شديدة وهي متعرقة تماماً ! حنجرتها تؤلمها من الصراخ وهي نائمة !!

ولكنها اكملت الصراخ ! تصرخ وتصرخ رغم الم حنجرتها ! ، فُتح باب الغرفة التي هي فيها ليدخل ساسكي خائفاً ينظر اليها بصدمة !

حالما رأته حتى قفزت من السرير مسرعة لتعانقه بقوة اربكته ، تشبثت به كما يتشبث الشخص بحياته !

كانت مقلتاها ترتجفان بشكل هستيري وهي ترتجف بشدة ودرجة حرارتها مرتفعة بشكلٍ خطير !

بادلها العناق الحار غير مستوعبٍ لما يحدث معها ، ابعدها بعد فترة وقد هدأت بعض الشيء فأحاط وجهها بيديه مما زاد فزعها !

إلا انه ردد بصوته البارد الهادئ

- ما الذي حدث آيـآمي ؟! هل شاهدتِ كابوساً ؟!

توقفت عن الارتجاف فجأة واستكانت تماماً عدى مقلتاها اللتين لا تزالان ترتجفان بقوة ، رددت بضعفٍ وانكار

- كابوس ؟!

لحظة ...

كل ما شاهدته للتو كان ... حلماً ؟!

ادركت وجودها في غرفة ساسكي الخاصة ، في قصر ساتان الذي لم تتعود عليه للآن ! ما ابشعه من حلم هو ما رأته ! كيف امكنها ان تحلم بموت ساسكي ؟!

- ايعقل ان تكون رؤيا من المستقبل ؟!

قالتها وهي تضم رأسها متألمة من كل شيء ، كلُ ما حولها يبدو مشوشاً ولا تستطيع التفكير بشكلٍ سليم !

تراجعت للخلف بضعة خطواتٍ محاولة استيعاب الموضوع بشكلٍ كامل ، إلا ان صداعاً حاداً منعها فكاد يغمى عليها لولم يمسكها ساسكي ويرميها في حضنه مجدداً وهو يمسح على رأسها ويقول مهدئاً اعصابها

- لا تقلقي ، كل شيء بخير ، سأكون بجانبك .. للأبد !

كانت كلمة " للأبد " هي ما افزعتها في تلك الجملة الجميلة ! هي تخشى من حقيقة ان لا يكون هناك " للأبد " معه !




- هل انتِ وواثقة مما تقولينه ؟ هل كانت آيـآمي حقاً ؟!

صرخ بها متحققاً من صحة اقوالها ، ريثما يهزها من كتفيها بعنف وحنق !

تقدم منه ايتاتشي غاضبهاً فأبعده عنها زاجراً إياه بعنف

- توقف ساسكي ! هل هذه طريقة للسؤال ؟!

لم يكن ليتحمل اي استفزاز ناحيته في تلك اللحظة فما كان منه إلا ان دفع ايتاتشي بقوة وهو يصرخ منفعلاً

- لستَ في وضعٍ يخولك لالقاء الاوامر عليّ ! ابتعد عني !!

تنفسه السريع لم يكن طبيعياً وكذلك ملامحه الغاضبة التي ارعبت كل الحاضرين ، اعاد النظر لساكورا المرتجفة بحدة جعلتها تنتفض بشكلٍ ترقّ له القلوب فصرخ مرة اخرى

- اجيبيني !! هل كانت آيـآمي حقاً ؟! إياكِ و الكذب !

في تلك اللحظة ، ما رأته ساكورا في عينيّ ساسكي لم يكن حدة الغضب ولا كرهه لكل شيء !

ما رأته كان قرب يأسه من الامل ! إنكسار في مشاعره والمٌ لا يحتمل !

توقفت عن الارتجاف وشعرت بالحزن لأجله ، طأطأت رأسها وهي تجيبه بهدوء

- اجل كانت آيـآمي ، انا واثقة من هذا .. ولكن ...

لمعة املِ ظهرت في عينيه حالما قالت كلمة اجل ولكنها تبددت بكلمة لكن التي تنذر بالمصائب

- لكن ماذا ؟!

قالها منكسراً .. خائفاً .. يرجو خبراً لا يدمي له قلبه الماً عليها !

رفعت ساكورا رأسها والدموع تأبى التوقف في محجريها ، قالت باكية صارخة

- هي على حافة الموت تهيم ! كان حالها مزرياً ! كمن هو على وشك دخولِ حربٍ يعرف انه سيموت فيها !

كلماتها كانت كالصاعقة على مسامع ساسكي الذي توقع اقل من هذا ! ترنح وكاد يسقط من الصدمة إلا ان ناروتو امسكه من كتفيه وهو يقول قلقاً

- ساسكي ، تمالك نفسك يا رجل ! اهدأ هدأ ! لا تدمر نفسك بيديك !

كان يتنفس بسرعة و قد شحب وجهه وتسارع نبضُ قلبه ! قبض بقضبته على قلبه ودفع ناروتو بعيداً وهو يقول

- كلا ! عليّ ان اجدها ! .. عليّ ان اعيدها في الحال وإلا خسرتها للأبد !!

بالكاد كان قادراً على المشي دون ترنح ، تقدم منه ايتاتشي الذي عانقه بقوة وهو يقول منفعلاً بقلق على حاله

- توقف ساسكي ! علينا ان نعرف الوضع ! ولا تنسى بأن آيـآمي قوية ! تستطيع حماية نفسها ! ولديها والدها واشقائها كذلك !

لم ترق كلمة قوية لساسكي الذي دفع ايتاتشي وصرخ غاضباً

- كذب !!!! انتم لا تعرفون شيئاً !! توهمون انفسكم بكلمة هي قوية ! لكنكم لا تعرفون شيئا! لا تعرفون المها واحتقارها لنفسها ! لا تدركون انكسارها ونبذها للحياة ! لا تدركون مقدار الضعف الذي هي فيه لانها تكره نفسها !! اتظنون بأني اقلق عليها بشكلٍ اكثر من المطلوب !! كلا لانكم لا تعلمون شيئاً !! لانكم لم تعيشوا معها كما عشت ! لم تروا ماضيها بأعينكم وتشعروا بألمها كما فعلت !! انا اعرفها اكثر منكم جميعاً !! اعرف بأنها ستضعف مستسلمة للموت طواعية ان طرق على بابها !! لا !! والف لا !!! لن افقدها !! لن اتركها تموت هل تسمعونني ؟!! انتم لا تفهمون مقدار حبي لها !!!

كلماته هذه حملت صعقة على قلوب الجميع ، الصدمة التي تلقوها وهو يصرخ مختنقاً بكلماته الخاصة ! جميعهم لم يفهموا ما كان يتفوه به ساسكي ! لحين قال جملته الاخيرة ! حينها ادركوا الفرق بينهم وبينه !

هو عاشق ! والعاشق اكثر الناس فهماً لمعشوقه !

ولكن كل ما تسائلوا بشأنه كان .. هل كانت عتمة عينيه كفيلة بدحض الانكسار من نفسه ؟!

تباطئت انفاسه وبدأ يهدأ بعض الشيء بعد صراخه واخراج مكنونات نفسه ! لم يشعر إلا بيد ناروتو التي تربت على كتفه ويبتسم قائلاَ

- لستُ خبيراً في هذه الامور ولكني اعرف بأنك تعاني ، سنرسل فرقاً للبحث وسنكون نحن الفرقة الاولى ، ما رأيك ؟!

اتسعت عينا ساسكي بعض الشيء وهو يردد متفاجئاً

- ناروتو ... أنت ..

قاطعه ايتاتشي حالما قال بهدوء

- اجل ، هو يشعر بألم صديقه !




لا يزالون واقفين متواجهين بصمتٍ وهم على التحرك غير ناوون ! حيث بان ذلك في عيونهم التي تراقب كل تحركات والدهم !

هو يريد افزاع آيـآكا ببطء ، جرها إلى حضيض الشكوك من الترقب والتفكير ! حتى تتشوش رؤيتها للأمور وتصبح هزيمتها اسهل !

واقل من ناحية الخسائر كذلك !

ولكن احداً لم يشعر بذلك الواقف بجانب كازو الهادئ ، ناظراً ناحية آيـآكا بقلق ! مريداً لها بالتوقف ومنكراً عليها رغبتها في قتال ساتان

طأطأ رأسه بقهر وهو يردد تحسره في نفسه قائلاً

- هل يجب ان اقاتلها ؟! آيـآكا التي هي بمثابة والدتي ؟! هل استطيع ذلك حتى ؟! فعلتها المرة السابقة لاني دفعت نفسي ولكن الان .. هل سأكون قادراً على تكرارها يا ترى ؟!

شد على قبضته بقوة وكذلك على شفاهه بقهر ، شعر به صديقه الواقف بجانبه فما كان منه إلا ان يربت على كتفه ويقول دون ان ينظر اليه

- انسى كل شيء !

- ها ؟!

- انسى كل شيء عنها ، اجمع ذكرياتك ومشاعرك تجاهها وادفنها في اعمق بقعة في قلبك ! لا تسمح لمشاعرك الشخصية بأن تضعفك في المعركة فأي خطأ هنا يعني موتك ولا اعتقد بأنك تريد الموت قبل ان تدفع ثمن قبلة الاميرة !

ظهر التوتر جلياً على وجه آيريس حالما التفت له كازو بابتسامته المرعبة تلك ! ، تعرق بشدة وهو يبعد نظراته عن كازو ويقول بهمس لنفسه

- لا يزال حاقداً هذا الغيور !!

الابناء الباقون في انتظار لأي امرٍ من اوامر والدهم الصامت دون حراك ، يتعجبون من صبره رغم ان آيـآمي مصابة بشدة في الجهة المقابلة

- لا بد وان دمائه تغلي بشدة !

قالها كاريو ببروده المعتاد ، فتعجب اراشي منه وافصح عن تعجبه

- ما الذي تقصده ؟!

- لا يبدو ذلك ظاهراً ولكن دماء والدي تغلي من الغضب والقلق على آيـآمي !

ابتسم آراشي ببلاهة وهو يرد قائلاً

- اذاً اصبحت محللاً للشخصيات الان ؟!

الاجابة على سؤاله اتته بلكمة على وجهه دفعته ليصطدم بشجرة مقابلة ، التفت ساتان بعيونه الحادة ناحيتهم ففزعوا ووقفوا هادئين !

اعاد النظر صوب آيـآكا الهادئة والتي لا تزال مبتسمة ولكن التوتر بادٍ على ملامحها !

- الا تنوين الاستستلام ، يا اختي الصغيرة البلهاء ؟!

اتسعت ابتسامتها اكثر فأكثر وهي ترد عليه متحمسة

- وهل ترى نيران عينيّ ترجو الاستسلام ؟!

اغمض ساتان عينيه متنهداً فأردف ببرود

- هكذا اذاً !

تحرك خطوةً واحدة جلعتها تتأهب من اجل القتال ، ولكن ما صدمها كان ظهوره بجانبها مباشرة دون سابق انذار

واذا بيده تتحرك ناحيتها من الجانب وهو يقول بلا مشاعر

- اذا بدأت هذه الحرب !!

واول ضربة كانت من نصيب ساتان ، حينما لكم آيـآكا بقوة كبيرة على وجهها مما دفعها للخلف متألمة !

 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق